اقرأ في هذا المقال
- قصة زكريا عليه السلام
- كفالة زكريا عليه السلام لمريم
- تصديق زكريا عليه السلام للسيدة مريم عليها السلام
- دعاء زكريا عليه السلام في المحراب
قصة زكريا عليه السلام:
لقد أرسلَ اللهُ تعالى نبيهُ زكريا عليه السلام رسولاً لبني إسرائيل، فصارَ زكريا عليه السلام يدعو قومهُ إلى دين الله وأن يعبدوه، وبدأ يُخوفهم من عذاب الله الشديد في الوقت الذي كان فيه فسقٌ كثير وفجورٌ لا يوصف، وفي الوقت الذي كَثُرَ فيه المفاسد والمنكرات، وتسلطَ فيه على الحُكم ملوكٌ فسقةٌ ظلمة جبابرةٌ ينشرونَ الفساد في الأرض ويصنعون الموبِقات والجرائم، ولا يُراعون حرمةً لنبيهم، وكان هؤلاء الملوك قد تسلطوا على الصالحين والأتقياء والأنبياء حتى سفكوا دمَاءهُم، وكان أعظمهم إجراماً الملك “هيرودس” حاكم فلسطين الذي أمر بقتل يحيى بن زكريا إرضاءً لرغبة عشيقته كما سيأتي في قصة يحيى بن زكريا عليهما السلام.
فقال الله تعالى إخباراً عن نبيهِ زكريا عليه السلام: “إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا – قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا” مريم: 3-4.
كفالة زكريا عليه السلام لمريم:
زكريا عليه السلام وهو الذي كَفلَ مريم عليها السلام وقام على خدمتها، وكأن الله تعالى اختارهُ لهذه المهمة؛ لأن القوم حينما تسابقوا إلى كفالة مريم واستهموا على ذلك، فكان هذا الشرف العظيم من نصيب زكريا عليه السلام.
لقد كانت الناس تتسابقُ على فعل الخير، وكانوا يفهمون أنّ كفالة مريم هي شرفٌ كبير، فضربوا قرعة على هذا الأمر، فجاءوا بالأقلام وألقوها في البحر، والقلم الذي يطفو هو الذي يكفل صاحبه مريم، وذلك في قول الله تعالى: “ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ” آل عمران:44. وهذا يدلُ على أنهم فهموا أن كفالة مريم شرفٌ كبيرٌ يسعى إليه كلُ إنسان، ولا يصحُ لأحدٍ أن ينالهُ دون اقتراع، فالقرعةُ هي وزنٌ للمسائل حتى لا يغضب أحد.
وكان زكريا كُلما دخلَ على مريم يجدُ عندها رزقاً لم يأتِ به هو، فيستغرب من أمرها ويسألها: من أين أتاها هذا الرزق؟ فتُخبرهُ أنهُ من عند الله، وذلك قول الله تعالى: “ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ” آل عمران:37.
إنّ هذا الفعلُ يُعلمنا أن الإنسان المسئول عن الإنفاق عن أهل بيتهِ إذا وجدَ شيئاً في البيت لم يحضرهُ هو، عليه أن يسأل: من أين جاء هذا الشيء؟ لأنهُ ربما يكون أتى من طريق غير شرعي؛ لأنه هو المسئول عن أهل بيتهِ، والله سبحانه سائلهُ عنهم وعليهِ ألا يغضُ بصرهُ عن هذه الأشياء؛ لأنها مداخلُ للشر.
تصديق زكريا عليه السلام للسيدة مريم عليها السلام:
فلّما دخلَ زكريا ووجدَ الرزق المُنّوع عند مريم، وقالت له عنه إنّ مصدره: “هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ” آل عمران:37. ففتي تلك اللحظة تساءل زكريا عليه السلام: كيف فاتني هذا الأمرُ؟ ولذلك يقولُ الحق عن زكريا: “هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ” مريم:38. ساعة أن قالت له: إنّ الرزق من عند الله، وإنهُ الذي يرزقُ من يشاء بغير حِساب، وأيقظتُ فيه القضية الإيمانية، قال زكريا لنفسهِ: فلنطلب من الله ربنا أنّ يرزقنا ما نرجوهُ لأنفسنا، وكونهُ قال ذلك، فمعنى هذا أنّا زكريا صدّق مريم في قولها: بأن هذا الرزق الذي يأتيها هو من عند الله تعالى. ودليل آخر في التصديق هو أنهُ لا بدّ وقد رأي أنّ الأشياء التي توجد عند مريم وليست في بيئتهِ وليست في زمانه، إنها أشياء متعددةً، إنهُ يدخل عليها المحراب وكلما دخلَ وجدَ عندها رزقاً.
دعاء زكريا عليه السلام في المحراب:
إنّ الجميع يعلم بأنّ المحراب هي كلمة يُقصد بها بيتُ العبادةِ، والمِحراب هو مكانُ الإمام في المسجد، أو هو حجرةً يصعدُ إليها بِسُلمٍ مثل المُبالغات التي تُقام في بعض المساجد، وما دامت مريم قد أخبرت زكريا وهي في المحراب بأن الرزق من عند الله تعالى، وقد أيقظت تلك القضيةِ الإيمانيةِ لديهِ، فقد دعا زكريا عليه السلام في أثناء وجودهِ في المحراب: “هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ” فهنا يطلب زكريا عليه السلام من الله الولد، ولكن لا بدّ لنا أنّ نلاحظ، هل كان طلبهُ للولدِ لما يطلبهُ الناس العاديون من أنّ يكون زينةً للحياة أو عزوةً أو ذكراً؟ لا إنه يطلبُ الذرية الطيبة، وذكر زكريا للذريةِ الطيبةِ تفيد معرفتهُ أن هناك ذرية غير طيبةٍ.
وفي قول زكريا عليه السلام: “يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا” أي: أنّ يكون وعاءً لإرثِ النبوةِ وإرث المناهج وإرث القيم، لذلك طلب زكريا الولد، وقد طلبهُ لمهامٍ كثيرةً وكبيرةٍ، وقول زكريا عليه السلام: “هَبّ لي” تعني أنه استعطاء شيء بلا مُقابل، إنهُ يعترف ويقول: أنّا ليس لي المؤهلات التي تجعلُ لي ولداً؛ لأني كبير السنّ وامرأتي عاقر، إذن فعطاؤكَ يارب هو هبةً لي وليسَ حقاً، كأن الذي عندهُ استعداد لأن يكون هذا الأمرُ حقاً، فعليهِ أن يعرف أن عطاء الله لهُ يظلُ هبةً، فإياك أن تظن أن اكتمال الأسباب والشباب هي التي تُعطي الأبناء، إنّ الحق سبحانه وتعالى يُنبهنا ألا نقع في خديعةِ غش أنفسنا بالأسباب؛ فيقول الله تعالى: “لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ – أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ” الشورى:49-50. ففي ذلك لفتاً واضحاً وتحذيراً محدداً ألا نفتن بالأسباب.
وإنّ دعاء زكريا عليه السلام: “ربّ هب لي من لَدُنكَ” فإن كلمة هب تُبين ما جاء في سورة مريم عليه السلام من قول زكريا عليه السلام: “قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا” مريم:8. إنّ كلمة “هَب” هي التي تُوضح لنا هذه المعاني، فهكذا كان دعاء زكريا عليه السلام: “رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ” آل عمران:38. هل المُراد أن يسمع الله الدعاء أم أنّ يُجيب الله الدعاء؟ إنهُ يضع كلّ أملهِ في الله، كأنهُ يقول: إنك يا رب فور أن تسمعني ستجيبني إلى طلبي بطلاقة قدرتك، لماذا؟ لأنك يا ربّ تعلم صدق نيتي في أنني أريد الغلام، لا لشيءٍ من أمور قرة العين والذكر والعزّ وغير ذلك، ولك أريده ليكون وارثاً لي حمل منهجك في الأرض.