التوبة من الحبس:
تكون التوبة بظهور شعار الصلاحِ في وجه الجاني، وخشوعه الذي يُباعد بينه وبين اقتراف الجرائم من جديد. فقال ابن عابدين: إن المراد بالتوبة هي ظهور إمارتِها وعلامتِها؛ لأنه لا يمكن الوقوف على حقيقة التوبة.
سلطة الإفراج:
لم نرى تحديد من له التحقق من توبة المحكوم عليه، والسلطة في الإفراج عنه بعد ظهور الراج عن توبة، وهل يكون للقاضي أو لغيره، اللهم إلا في حالة حبس المدين.
فالرأي الواضح، هو أن يكون للقاضي أخذ بما هو متبعٌ بالنسبة للمدين. ففي المدين يسأل القاضي عَمن حبسه بعد انتهاء المدة التي حكم عليها بها، فإن ثبت إعساره أخرجه من الحبس، وإن كان موسراً أمدّ حبسه. وعلى ذلك فأمر المدين المحبوس في الدين بعد حبسه للقاضِي، وهو الذي يحقق يسارهُ أو إعساره، ويمدُ في حبسه أو يُخلي سبيله، وذلك تبعاً للأحوال.
وهذا الذي تقول فيه الشريعة الإسلامية من عدم تحديد القاضي لمدة الحبس مقدماً، على أن تحدد فيما بعد بإخلاءِ سبيل المحكوم عليه إذا صلح حاله بالتوبة، هو الذي ساد في التشريع الجنائي الحديث، وأصبح نظاماً أخذت به كثير من الشرائع.
لقد جاء في كتاب للأستاذ الدكتور السعيد مصطفى السعيد في قانون العقوبات” أن نظام العقوبات في التشريع الجنائي الحديث، يقوم كقاعدة على أساس تحديد مدة العقوبة المحكوم بها مقدماً بمعرفة القاضي. ولكن كثيراً من العلماء اعترضوا على ذلك بأنه يتنافى مع الرغبة في إصلاح الجاني وتقويمه، وهو ما أهم أغراض العقوبة في العصر الحديث؛ لأنه لا يمكن مقدماً معرفة المدة التي تُلزم لإصلاح كل محكوم عليه على حدة.
فإذا حددت مدة الحبس مقدماً بمعرفة القاضي عند الحكم، فقد لا تكون كافيةً لهذا الإصلاح، فيُغادر المجرم السجن دونه، ولا تحقق العقوبة الغرض منها. وقد تكون المدة المحددة أطول بما يلزم لإصلاحه، فيبقى في السجن مدةً تزيد عن اللازم لإصلاحه بلا مبرر، وهذا يُنافي مقتضيات العدالة، ولا يمكن لنظام الإفراج الشرطي أن يعالج حالة ما إذا كانت المدة المحددة مقدماً للعقوبة أقل ممّا يلزم لإصلاح الجاني.
فمن أجل ذلك برزت نظرية العقوبة المحددة المدة، وهي التي تبين في أن القاضي يُقرر إدانةِ المتهم، ووضعه في السجن دون أن يحدد لذلك مدة، على أن تحدد هذه المدة فيما بعد على ضوء ما يظهر من أثر العقوبة عليه ويخلي سبيله إذا ثبت صلاحُ حاله.