ما هي كيفية العجز عن الوفاء بالنذر؟

اقرأ في هذا المقال


العجز عن الوفاء بالنذر:

لقد نذر الشيخ هرم طاعن في السن صيام أيام، وهو لا يطيق الامتناع عن الطعام والشراب سويعات قليلة. أو نذر هذا الشيخ الفاني أن يمشي إلى بيت الله الحرام من الشام، وهو لا يقوى على مشيّ أمتارٍ قليلة. ولو نذرت امرأة أن تقوم ليلة معينة فحاضت تلك الليلة، أو نذرت امرأة أن تقوم يوماً معيناً فحاضت في ذلك اليوم. ولو نذر شخص أن يطير في الهواء أو أن يمشي على الماء، وهذا مستحيل في حقه، لا يقدر على القيام به. ولو نذر شخص فقير معدوم أن يتصدق غداً على رجل بمليون دينار. فكل هذه صور تبين لنا أن الناذر غير قادر على الوفاء بالمنذور وأن المنذور غير مقدور عليه شرعاً أو عُرفاً أو عقلاً.

أنواع العجز:

والعجز نوعان وهما: عجزٌ دائم وعجزٌ لعارض. وسنفصِلُ في حكم المسألة في كل نوع فيما يلي:

1- العجز الدائم:

العجزُ الدائم: ويكون العجزُ الدائم لعلةٍ لا يرجى زوالها، مثل الهرم فهي علةٌ لا دواء لها، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: “تداووا فإنَّ الله لم يضع داءً إلا ووضعَ له دواءً غير داءٍ واحد. الهرم”. فالمنذورُ هنا يكون إما أن يكون صوماً أو غير صوم. فإنَّ كان المنذور صوماً ولم يقدر عليه الناذر فإنَّ في هذه المسألة عدة أقوال وهي:
– القول الأول: يلزم الناذر كفارة يمينٍ لعدم الوفاء بالنذر، ويلزمه أيضاً أن يطعم عن كل يوم نذرَ صيامه ولم يقدر عليه مسكيناً قياساً على صوم رمضان، فإنَّ المكلف إذا عجز عنه، فإنَّه يُطعم عن كل يومٍ أفطره مسكيناً، فقال تعالى:”وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ” البقرة:184. وهذا إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله.

– القول الثاني:
يلزم الناذر كفارة يمين فقط، لقوله عليه الصلاة والسلام: “من نذر نذراً لم يطقه، فكفارته كفارة يمين”. رواه أبو داود وابن ماجه. ولأن هذا النوع من النذرِ عجز عن الوفاء به، فلزمهُ كفارةً كبقيةِ النُذور عند عدم الوفاء بها. وهذا القول هو الرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله.
– القول الثالث: النذر يسقطُ عن الناذر ولا شيء عليه. وهذا ما ذهب إليه الإمام الشافعي رحمه الله إذ قاس عدم القدرة وعدم الطاقة على عدم الملك، فكما أنه لا نذر فيما لم يملك الإنسان، فكذا لا نذر فيما لم يطق. وبهذا القول قال ابن حزم رحمه الله، واحتج بقوله تعالى:”لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ” البقرة:286.
– القول الرابع: يلزم الناذر الفدية فقط. وهذا ما ذهب إليه الحنفية، قال في البدائع: فأما عند التعذر فإنَّما يجب الوفاء به تقديراً بخلفه؛ لأن الخلف يقوم مقام الأصل، كأنه هو كالتراب حال عدم الماء، والأشهر حال عدم الإقراء حتى لو نذر الشيخ الفاني بالصوم يصح نذره وتلزمه الفدية؛ لأنه عاجز عن الوفاء بالصوم حقيقةً فيلزمهُ الوفاء به تقديراً بخلفه، ويصير كأنه صام. فإنَّه يلزمهُ الناذر كفارة يمينٍ فقط أخذاً بحديث النبي عليه الصلاة والسلام وهو: “من نذرَ نذراً لم يُطقه فكفارته كفارة يمين”.

2- العجز لعارض:

وإنَّ كان العجز لعارض يُرجى زواله من مرضٍ أو فقر أو حيض أو نفاس أو نحوها، فلا يخلو أن يكون المنذور صوماً أو غيره. فإذا كان المنذور صوماً، ولم يزل العجزُ إلا بعد فوات وقت الوفاء؛ كأن نذرت امرأة صيام يومٍ فحاضت فيه، وفي هذه المسألة أقوال:
– القول الأول: النذر باطل، وليس على الناذر شيء عند محمد بن الحسن الشيباني وزفر من الحنفية، وذلك؛ لأن المرأة هنا أضافت الصيام إلى وقت لا يتصور فيه. وعند ابن حزم أن الناذر لا يلزمهُ شيء.
– القول الثاني: أنه على الناذر قضاء الصوم فقط. وبهذا قال يوسف والشافعي ورواية عن الإمام أحمد. وإنَّما ذهب أبو يوسف إلى وجوب القضاء؛ لأن الإيجاب صدر صحيحاً في حال لا ينافي الصوم، ولا إضافتهُ إلى زمانٍ يُنافيه، إذ أن الصوم متصور فيه، والعجز يُعارض محتمل كالمرض فيقضهِ. وإنَّما يجب القضاء عند أصحاب هذا القول دون الكفارة؛ لأنه بقضائه أتى بصيام أجزأه عن نذره من غير تفريط منه، فلم تلزمه كفارة يمين كما لو صام ما عينه.
– القول الثالث: يجب على الناذر القضاء والكفارة. أما القضاء فلأن الصوم أصبح في حقه واجباً بالنذر، وأما الكفارة فلأنه أخل بالوفاء بالنذر فلم يؤدِ الصوم المنذور في وقته وهذا إحدى الروايتين في مذهب الإمام أحمد رحمهُ الله. وإنَّ كان المنذور ليس صوماً وعجز عنه الناذر ففي المسألة قولان:
– على الناذر كفارة.
– ليس على الناذر شيء.


شارك المقالة: