معجزات نبي الله موسى عليه السلام:
قال تعالى: “فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ –وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ” الشعراء:107-108. إن إلقاء العصا أخذَ في القرآن الكريم ثلاث مراحل وهي:
المرحلة الأولى: وهي التي واكبت اختيار الله لموسى عليه السلام ليكون رسولاً حينما قال الله تعالى له: “وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ –قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ” طه:17-19. إن الله سأل موسى عن الذي في يده، وموسى عليه السلام كان يمكن أن يُجيب بأنها عصا، ولكنه إنسانٌ كُرّم بأن يُكلمهُ ربه فأراد أن يُطيل أُنسه بكلام الله سبحانه، فذكر صفاتِ العصا واستخدامها وفوائدها له.
ولكن أخبرهُ الله تعالى أنّ لها مهمةً أخرى عنده وأمرهُ أن يُلقيها، وقال تعالى: “قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ –فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ” طه:19-20. فلما ألقاها انقلبت حيةً بعد أن كانت عصا، والعصا معروفٌ أنها كانت غصناً من شجرة، ولم تصبح عصا إلا بعد أن انتهت حياتها النباتيه، وصارت جماداً بعد بعد قطعها من الشجرة، ومع ذلك فهي لم تنقلب إلى شجرة كما كانت في الأصل ولكنها تجاوزت مرحلة النباتية التي كانت عليها في البداية، وانتقلت إلى مرحلة الحيوانات، وهي مرتبة أعلى من النباتي.
وعندما رأى موسى هذا المنظر خاف، فطمأنه ربه وقال له: “فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ” طه:21. فأمسكها فصارت عصا، فكأن الله تعالى يدربه على المُهمة، فحينما يقابل فرعون يكون قد جربها قبل ذلك؛ لأنه لو بدأها مع فرعون قد يخاف من إلقائها خشيةَ ألا تتحقق المعجزة، ولكنه بعد أن تدرب عليها اطمأن قلبه وأصبح واثقاً من المعجزة.
المرحلة الثانية: حينما ألقى عصاه أمام فِرعون وحاشيتهِ.
المرحلة الثالثة: حينما ألقها أمام السحرة في يوم الزّينة.
وهنا يقول الله تعالى: “فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ –وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ” الشعراء:107-108 ومعنى ثعبانٌ مبين أي واضح “الثعبانية” من حياة وحركة وشكل وكل شيء. والقرآن الكريم يصف عصا موسى بعدة أوصافٍ، مرةً يصفها بالثعبان، ومرةً بالحية ومرةً بالجان، وهذه الأوصاف كلها مجتمعةً فيها حية وثعبان وجانٌ فهي في خفة حركتها كأنها جان، وفي شكلها المُرعب كأنها حيةً وفي تلوينها كأنها ثعبان، في الوقت الواحد تأخذ كل هذه الأوصاف.
وموسى أسمرُ اللون، ومن معجزاتهِ أنه سيضعُ يدهِ في جيبه فتخرج بيضاء لها شعاع وبريق يأخذ الأبصار، فالجيب ليس هو جيبك الذي تضع فيه المنديل أو النقود، ولكن الجيب معناه فتحةً في الصدر، موسى أخرج يده من جيبه فإذا هي بيضاءُ للناظرين.
إيناس الله تعالى لموسى عليه السلام:
لقد أراد الله تعالى أن يؤنس موسى عليه السلام فقال له: “وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ” إن “ما” استفهامية والتاء إشارةً لشيء مؤنث، والكاف، هي لخطاب موسى. أي ما هذا الذي معك يا موسى؟ أنت إذا سألت أحداً وقلت له: ما هذا الشيء الذي؟ يقول لك مثلاً معي كتاب أو قلم أو مصحف أو غير ذلك، فلما قال الحق تعالى: “وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ” فكان الجواب الذي هو على قواعد اللغة أن يقول له: عصا، لكنه يعلم أنّ الذي يُخاطبه يعلم أن التي معه عصا، ولكن هذا كلام الإيناس؛ لأن الموقف صعب على موسى، فأراد الله أنّ يؤنسه، ومقام الإيناس إذا كان من الله لعبده، فلا بدّ أن يستغل العبد هذا الإيناس فلا يردّ رداً مقتضياً كما يقولون: “كلمةً ورد غطاها”؛ فموسى عليه السلام؛ لأنه يكلم ربه ويُريد أن يُطيل أنسه به، قال: “قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ” طه:18. مع أنّ الله لم يسألهُ عن عملهِ بهذه العصا، لكن موسى عليه السلام أطال في الإجابةِ؛ لأنّ هذا مقام الأنس في الخطاب مع الله، ولا يُنهيهِ إلا زاهد في الله حاشا الله، فكلمة “هي” في الجواب غير مطلوبة “عصاي” لم يقل له: لمن هذه العصا؟ ولم يقل له: ماذا تفعل بها؟ حتى يقول له إنه يتوكأ عليها ويهشُ بها على الغنم، وأنّ له فيها مآربُ أخرى. والعصا لها تاريخٌ طويل فهي أولاً لازمة للتأديب والرياضة، ولازمة من لوازم الأسفار.
فحينما تكلم موسى مع ربه ذكر بعض فوائدها فقال: “أتوكؤا عليها” وذلك حين يكون ماشيّاً على قدميه أو مُتعباً وذلك؛ لأن المشي عندهُ حركتان فهو يحتاج إلى طاقة لحركة المشي بقدميهِ، ويحتاج إلى طاقة أخرى؛ لأنّ القدمين تحملان بقية الجسم، فإذا تعب وأصبحت قدماه لا تقويان على حمل الجسم؛ فإنهُ يعتمد على العصا، فتساعدهُ في حمل الجسم. فإن كان عنده بعض القوة يستطيع أن يمشي قليلاً، وإن لم يكن عنده يجلس.