معرفة سبب نزول القرآن الكريم

اقرأ في هذا المقال


من المعروف أن نزول القرآن على قسمين وهما قسم نزل ابتداءً، وقسم نزل بعد حادثة أو واقعة أو سؤال من شخص. وقد قام العلماء بمتابعة القسم الثاني وقد صنفوا فيه الكتب المخصوصة وبينوا الآيات التي نزلت بسبب وبينوا ذلك السبب واجتهدوا فيه اجتهاداً بالغاً وأشهر مؤلف في هذا الموضوع ” لباب النقول في أسباب النزول”، للحافظ جلال الدين السيوطي، وفي هذا العمل فوائد جليلة منها معرفة وجه الحكمة الدافعة على تشريع الحكم ومنها أنه أقوى الطرق في فهم معاني القرآن، فالقاعدة تقول: العلم بالسبب يعطيك العلم بالمسبب.

مسألة هل للسبب تأثير في تحديد الحكم؟

مما يتصل بهذا المبحث مسألة مهمة قد حدث فيها خلاف بين علماء الأصول، وهي أننا إذا عرفنا سبب نزول آية متضمنة لحكم شرعي فهل يكون ذلك الحكم خاصاً بذلك السبب الذي نزلت فيه الآية أم يكون عاماً فيشمل غيره ويعبرون عنها بقولهم: هل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؟
والجواب أن المشهور والأصح هو أن العبرة بعموم اللفظ فالحكم يتناول غير السبب الذي نزل من أجله، وقد نزلت آيات في أسباب واتفقوا على تعديتها إلى غير أسبابها كنزول آية الظهار في سلمة ابن صخر، وآية اللعان في شأن هلال بن أمية، وحد القذف في رماة عائشة، ثم تعدى إلى غيرهم، ومن لا يعتبر عموم اللفظ، يقول خرجت هذه الآيات ونحوها لدليل آخر.

قال السيوطي: ومن الأدلَّة على اعتبار عموم اللفظ: احتجاجُ الصحابة وغيرِهم في وقائعَ بعُموم آياتٍ نزَلَت على أسباب خاصة، وكان ذلك شائعًا ذائعًا بينه، وهذا بالنسبة للآية التي يفيد لفظها العموم أما الآية التي نزلت في شخص معين ولا عموم للفظها فإنها تقصر عليه قطعاً كقوله تعالى: ﴿وَسَیُجَنَّبُهَا ٱلۡأَتۡقَى (١٧) ٱلَّذِی یُؤۡتِی مَالَهُۥ یَتَزَكَّىٰ (١٨) وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةࣲ تُجۡزَىٰۤ (١٩)﴾ صدق الله العظيم [الليل ١٧-١٩] فإنها نزلت في أبي بكر بالإجماع.

وغلط من ظن أن الآية العامة في كل عمل عمله إجراء له على القاعدة المذكورة سابقاً ، وهذا غلط ووهم، فإن مثل هذه الآية ليس فيها صيغة عموم إذا (الألف، واللام ) انما تفيد العموم إذا كانت موصولة أو مُعرَّفة،  بشرط ألا يكون هناك عهد، واللام في كلنة (الأتقى) ليست موصولة لأن أل لا توصل بأفعل التفضيل إجماعاً، (والأتقى) ليس جمعاً بل هو مفرد، والعهد موجود خصوصاً مع ما يفيده صيغة ( افعل) من التمييز وقطع المشاركة فبطل القول بالعموم، وتعين القطع بالخصوص، والقصر على من نزلت فيه- وهو ابو بكر الصديق – رضي الله عنه.


شارك المقالة: