وبعد دخول الإسلام من قبل الشجاعين وهما سيدنا حمزة و سيدنا عمر، فما كان أن غيّر سادات قريش طريقة تفكيرهم وتعاملهم مع النبي والمسلمين، فاختاروا المساومة والمفاوضة وتقديم الرّغبات والمغريات واتباع طريقة الترغيب، ولم يكن يعرف هؤلاء المساكين أنّ كل ما تطلع عليه الشمس لا يساوي جناح بعوضة أمام دين الله والدعوة إليه ، فخابوا فيما كانوا يريدون .
إرسال عتبة بن ربيعة إلى النبي
فكانت خطة قريشٍ التالية هي إرسالُ شخصٍ مناسبٍ ليفاوض سيدنا محمد ، فكان ممّن أُشير اليهم بذلك الأمر هو عتبة بن ربيعة، وكان عتبة أحدَ الساداتِ، قال يوماً وهو معهم جالس في نادي قريش، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجلس في المسجد لوحدهِ : (يا معشرقوم قريش ، ألا أقوم وأكلّم محمداً، فأعرِضُ على محمد أموراً لعلّهُ يقبلُ بعضاً ممّا أعرِضُ عليه ، فنعطي محمداً ما يشاء ويكفّ ما يريد عنّا ) وكان عندما أسلم حمزة ورأوا أتباع رسول الله أصبحوا في كثرة وزيادة، فقالوا: نعم يا عتبة قم إلى محمدٍ فكلِّمه.
فقام عتبة وجلس الى النبي فقال: (يا أبن أخي إنك منا من مكانة وسلطة ، ولك مكان في النسب، وقد جئت إلى قومك بأمرعظيم ، فقد فرقت به جمعهم ، وسفهت به من أحلامهم ، وعبت آلهتهم وما يعبدون من دين ، وكفرت بالذي كان عليه من آبائهم ، فأسمع مني يا محمد وأعرض عليك بعض الأمور تنظر فيها ما شئت فلعلك أن تقبل من بعضها.
عروض عتبة للنبي
فكان عتبة في كلامه للنبي ومقابلتهِ لهُ على أن عرض عدَّة أمور على النَّبي ، فعرض عليه المال وقال نجمع لك ما تريد منه وحتى تكون أكثرنا مالاً ، وعرض عليه الشّرف وقال سودناك علينا ولا نقطع لك أي أمر أبداً، ومن ثم عرض عليه الملك وقال له : إن كنت تريد ملكاً جعلناك ملكاً علينا.
فعندما فرغ عتبة من عروضه على النبي ، قال له النبي اسمع مني يا عتبة ، ثمَّ قال الرسول بعض آيات من سورة فصلت: بسم الله الرحمن الرحيم (حم*تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ*كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ*بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُون* وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ). ثمَّ أكلمها النبي وقرأها عليه وكان عتبة ينصت إلى ما يتلو النبي من آيات القرآن وعندما وصل إلى موضع السّجدة منها فسجد، ومن ثمّ قام عتبة وعاد إلى قومه.
فلمّا عاد عتبة إلى قريش ورأوه متغير الوجه عكس ما ذهب به ، فأخبرهم بأنّ الأمر الذي أتى به محمد عظيمٌ جداً، وأنّه لم يسمع بكلام الذي أتى به محمداً قط، وأنّ ما يتلوه إنّما ليس بكلام بشر ولا بشعرٍ ولا بسحرٍ، فأنزعج رجالُ قريش ممّا يقول في النبي محمد عليه الصلاة والسلام ، وقالوا له: (إنّما سحرك محمد بلسانه يا أبا الوليد) ، فردّ عليهم أن اصنعوا ما شئتم وما بدا لكم.