من صفات لوط عليه السلام الكرم - طاعة أوامر الله تعالى

اقرأ في هذا المقال


صفات لوط عليه السلام الكرم – طاعة أوامر الله تعالى:

حينما جاءت الملائكة على قوم لوط عليه السلام بهدف إهلاكهم، فقد جاءت على هيئةِ بشر فنزلوا عند لوط عليه السلام ضيوفاً، فالأنبياء أكرمُ البشر، وأكثرهم سخاءً، فهم لا يورثون درهماً ولا ديناراً، ومع شدة كرم لوط عليه السلام إلّا أنه ضاق بهؤلاء الضيوف ذرعاً، واسودّت الدنيا في وجهه طبعاً ليس بسبب قلة الطعام أو ضيق المكان، ولكن لخبرته بسوء أخلاق قومه، ومع كل هذا لم يطرد الضيوف أو يعتذر عن استقبالهم، على العكس من ذلك فقد استقبل لوط الضيوف وأحسنَ ضيافتهم، إلا أنه قال في نفسه بعيداً عن مسامعهم بأنه يوم عصيب وسيء؛ لأن له ما بعده، وهذه إشارة بأن لوط عليه السلام لم يعرف الملائكة لأنه لو عرفهم لما قال عبارة “هذا يومٌ عصيب” إذ قال تعالى: “وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ” هود:77.
فقد ظهرت ملامحُ ذلك اليوم العصيب عندما جاء قومهُ يهرعون إلى بيته عليه السلام يُريدون الضيوف من أجل ممارسة الفاحشة مع من يمرّ ببلدهم، فهم يقطعون السبيل، ويعملون المنكرات بكلّ أنواعها دون حياءٍ أو خجل. لقد أدرك لوط أنه يومٌ عصيب بسبب الفضيحة التي سيُسببها هؤلاء الفجرة الخالون من جميع أنواع القيم، فقد هبّ لوطٌ مُدافعاً عن ضيوفه بشتى الوسائل والطرق، إذ كيف يُسلمهم لهؤلاء وقد أصبحوا في حِماه، فالأنبياء صلوات الله عليهم جميعاً أكثر الناس كرماً وشجاعةً.
لقد قام لوط عليه السلام يضعُ الحلول من أجلِ إبعاد هؤلاء القوم عن ضيوفه، فتارةً يُرشدهم إلى الفطرة السليمة، فقال تعالى: “وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ” هود:78. ويُرشدهم إلى نسائهم، فإن النبي للأمة بمنزلة الوالد، فتوجيه لوط هؤلاء إلى النساء حيث لنوازع الفطرة السليمة لديهم، وتارةً يُذكرهم بالله واتقاء غضبه وعذابه، فقال تعالى: “ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ“هود:78. فالرجلُ الرشيدُ بضاعةً نادرة بل إنها معدومة عند هؤلاء القوم ولو كان فيهم رجلٌ رشيد لما وصلوا لما هم عليه، ولكن محاولة لوط عليه السلام في حثّ أحدهم أن يكون رشيداً في مثل هذا الموقف الشديد باءت بالفشل.

توكل لوط عليه السلام:

عندما اشتدت حلقات الكرب والشدة على سيدنا لوط عليه السلام دفاعاً عن ضيوفه، فقدَ عليه السلام الحيلة في حماية ضيوفه، وأخذ يتذكر لو أنه صاحب عشيرة قوية، وقوةٍ مادية مانعة لما خذلته في مثل هذا الموقف، وأنه عليه السلام، المؤمن المهاجر من بلاد الرافدين إلى بلاد الشام المبعوث إلى قومه المكلف بهدايتهم، فهو وحيد بين ظهرانيهم، لم يجد أحداً ينصرهُ وقت الشدة أو حتى يؤمن به.
لم يغب عن ذهن لوط عليه السلام ولو للحظةٍ واحدة أنه لا يأوي إلى ركن الله الشديد أو أنه غيرُ متوكلٍ على الله، ولكنه أراد القوة المادية الدنيوية في هذا الحدث؛ لأن القوم حُشدوا كلّ المنحرفين حول بيته، وحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم الذي ورد في صحيح البخاري، نحنُ أحقُ بالشك من إبراهيم إذ قال: “ربّ أرني كيف تُحيي الموتى قال ألم تؤمن، بلى ولكن ليطمئن قلبي”. ويرحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو ثبت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي. البخاري الجامع الصحيح.
لقد كان سيدنا لوط شديد التوكل على الله، وهي صفة أصيلة في نفوس المؤمنين، لأسلمهم الله إلى أعدائهم، ولكن ما دام المؤمنُ متوكلاً على الله فإنّ الله معه، والفرج قريب منه كما حدث مع سيدنا لوط عليه السلام حين حاول هؤلاء المنحرفون التضييق على لوط وضيوفه جاء نصر الله فكشفت الملائكةُ عن نفسها، فقال تعالى: “قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ” هود:81.

طاعة لوط عليه السلام لأوامر الله:

عندما كلف الله لوطاً عليه السلام هدايةَ قومه بدأ دعوتهم إلى التوحيد، فأمرهم بترك الفاحشة: “وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ” الأعراف:80. فقد ركز لوط عليه السلام على الإصلاح الإجتماعي في دعوته لقومه؛ لأن أخطر ما يواجه الدعوات هو الانغماس في الشهوات.
ونجدُ طاعة النبيّ لوط عليه السلام لله تعالى، عندما حكم الله تعالى على زوجه بالهلاك ولم يعرض علينا القرآن الكريم آيةً واحدةً تُبين طلب لوط عدم إهلاك زوجه، وخاصةً أنها عاشت معه فترةً من الزمن وهي كافرة على دين قومها، فكيف تُهلك الآن وخاصةً أنها بحاجةً إليها هو وأهلُ بيته بعد الخروج، كي تؤنس وحدته، وتساعده على مواجهة الصعاب، فلم يطلب لوط من الله عزّ وجل إبقاءها وعدم إهلاكها كما طلب نوح عليه السلام عدم إهلاكِ إبنه كما قال تعالى: “وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ” هود:45.
وكذلك نجد طاعةُ لوط عليه السلام عند الخروج من القريةِ المراد إهلاكها، فلم يُناقش في الخروج ولا في كيفيتهِ، فعندما أمرهُ الله تعالى بالخروج نفذَ لوط عليه السلام خطة الخروج من القرية بحذافيرها، كما رسمتها له الملائكةُ، فلم يلتفتُ هو ومن معهُ من المؤمنين، إذ قال تعالى: “فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ” هود:81.


شارك المقالة: