من علامات الساعة التي لم تقع – كلام السباع والجمادات:
عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:“عن أبي سعيد الخدري قال: عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبه الراعي فانتزعها منه فأقعى الذئب على ذنبه قال: ألا تتقي الله تنزع مني رزقا ساقه الله إلي. فقال: يا عجبي ذئب مقع على ذنبه يكلمني كلام الإنس. فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك محمد صلى الله عليه وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق. قال فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي: الصلاة جامعة ثم خرج فقال للراعي: أخبرهم، فأخبرهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق. والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس ويكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده” رواه أحمد وروى الترمذي.
شرح الحديث:
إنّ الحديث بيُشير إلى تغير جوهري في قوانين الأشياء، وخرقٍ للنواميس المعهودة، وهذا الخرق يكون بين يدي الساعة، ومن علاماتها، فالحديث يدلُ صراحةً على مخاطبة العجماوات من السّباع، وهذا امرٌ غير معهود وخارق للنواميس، وكونها غير معهودةً لا يعني أنها محال، بل الادلة تُشير إلى وقوع مثل ذلك حتى في عهد رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال:” وبيْنَما رَجُلٌ في غَنَمِهِ إذْ عَدَا الذِّئْبُ، فَذَهَبَ منها بشَاةٍ، فَطَلَبَ حتَّى كَأنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا منه، فَقالَ له الذِّئْبُ هذا: اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي، فمَن لَهَا يَومَ السَّبُعِ، يَومَ لا رَاعِيَ لَهَا غيرِي فَقالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ، قالَ: فإنِّي أُومِنُ بهذا أنَا وأَبُو بَكْرٍ وعُمَرُ بن الخطاب رضي الله عنه”. صحيح البخاري.
فهذا الأثر يُصرح بكلام الذئب والبقرة، وهو خارقٌ للعادة، لذا تعجب الصحابة من ذلك، فبين النبي عليه الصلاة والسلام أنه وأبو بكر وعمر رضي الله عنه عنهما يؤمنون بحصول ذلك، وفي هذا الحديث لطيفة عجيبةً، وهي قول الذئب من لها يوم السبع، يوم لا راعي لها غيري، فقد ذكرَ بعض العلماء أن المُراد بيوم السبع، أيام الشدائد والفتن التي تشغل الناس فيذهلونَ عن غنمهم.
أيضاً ليس هناك أي إشارة في الحديث ترشد إلى زمان تلك الخوارق، ولعلها تكون بين يدي الساعة، أو خلال الفتن والملاحم العظمى.
وقد يستغرب البعض أو يستبعد حصول ذلك، أو يميل إلى تأويله مع أننا في عصر رأينا فيه عجائب لو ذكرت لمن قبلنا لاعتبرونا من الخوارق كالجماداتِ التي تتكلم، أو تعرضُ صورةً حيّة، بل أصبحت قطعة بلاستيك صغيرةً وهي ما تُسمّى بالموبايلِ أو الجوالِ، وهي كفيلةً بإيصالكَ بأي مكانٍ بالعالم بالصوت والصورة، وهناك أجهزةٌ تصنعت صغيرةً جداً أقربُ في الحجم من شراك النعل أو عذبة السوط، وهذه الأجهزة تقوم بالتسجيل بالصوت والصورةِ، وأصبح الأمر بديهياً في هذا العصر، فإذا كانت هذه قدرة البشر من أنّ المقدر الحقيقي لها هو الله عزّ وجل، فهل نستغرب من حصول تلك العجائب بقدرة الله في آخر الزمان، ونحن أصلاً نعيش في زمن عجائب المخلوق، فكيف بقدرة الخالق، والأصل في المؤمن أن يتمثل قوله تعالى: “أعلَمُ أنّ الله علىكُلّ شيءٍ قدير”. البقرة:295.
ولا يجوز أن نتعجب من حصول أي أمرٍ خارقٍ ما دام هناك دليل صحيح يرشدُ إليه؛ لأنّ قدرة الله مُطلقةً، يقول الله تعالى على لسان الملائكة التي تخاطب زوج إبراهيم عليه السلام بعد تبشيرها بإسحاق، وتعجبها من هذا الأمر الخارق: “قالوا أتعجبين من أمرِ الله“هود:73. فسبحان الله الذي أنطق لسان الإنسان، وأعجم لسانَ السّباع، وسبحان من ينطق ألسنة السباع في آخر الزمان.
وقد يرى البعضُ بأنّ الحديث ليس على حقيقتهِ، بل إنه كنايةً عن المخترعات المعاصرة التي يشهدها هذا العصر، وإمكانية وضع أجهزة الجوال، وقد كان لبعضها مثل عذبة السوط، إذا لم لا يحملُ كلّ الحديث على هذه النوعية من المخترعات التي عهدها عصرنا.
أن هذه العلامة لم تقتصر على الجمادات بل تعدتها إلى العجماوات، مثل الأسود والسباعِ وكذلك فخذ الإنسان، وهذا يجعلنا نحمل الحديث على حقيقته، ولعل وقوع هذه الخوارق يكون في زمان الدّجال نفسه المعروف بكثرة الخوارق، يُضاف إلى ذلك أنّ الأصل حمل الكلام على حقيقته إلا إذا كانت هناك قرينة تصرفه من الحقيقة إلى غيرها، أو كان هناك مانع يمنع من تصور وقوع الأمر، وهنا لا توجد قرينة صارفة، وليس هناك ما يمنع من الوقوع؛ لأن وقوع ذلك يدخلُ في باب الممكن لا المستحيل، بل إخبار النبي عليه الصلاة والسلام بحصول ذلك في الحديث الصحيح يعزز حمل الحديث على حقيقته.