من علامات الساعة – الطمع والأثرة:
أولاً: قال تعالى: “وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” الحشر:9.
ثانياً: عن أنس رضي الله عنه قال: “دعا النّبي صلّى الله عليه وسلم الأنصار ليقطع لهم بالبحرينِ فقالوا: يا رسول الله إن فعلت! فاكتب لإخواننا من قريش بمثلها، فلم يكن ذلك عند النبي عليه الصلاة والسلام فقال: إنّكم سترون بعدي أثرةً فاصبروا حتى تلقوني”
ثالثاً: عن أبي مسعود رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “ستكونُ أثرةٌ وأمورٌ تُنكرونها قالوا يا رسول الله فما تأمرنا قال: تؤدونَ الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم”. أخرجه البخاري
رابعاً: عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنَّ ناسًا مِن الأنصارِ قالوا يومَ حُنَينٍ حينَ أفاء اللهُ على رسولِه مِن أموالِ هوازنَ ما أفاء فطفِق رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعطي رِجالًا مِن قُرَيشٍ المِئةَ مِن الإبلِ فقالوا: “يغفِرُ اللهُ لِرسولِه يُعطي قُرَيشًا ويترُكُنا وسيوفُنا تقطُرُ مِن دِمائِهم قال أنَسٌ: فحدَّثْتُ ذلكَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن قولِهم فأرسَل إلى الأنصارِ فجمَعهم في قُبَّةٍ مِن أَدَمٍ فلمَّا اجتمَعوا جاءهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: ما حديثٌ بلَغني عنكم ؟ فقال له قومٌ مِن الأنصارِ: أمَّا ذَوُو أسنانِنا يا رسولَ اللهِ فلَمْ يقولوا شيئًا وأمَّا ناسٌ منَّا حديثةٌ أسنانُهم فقالوا: يغفِرُ اللهُ لِرسولِه يُعطي أناسًا وسيوفُنا تقطُرُ مِن دِمائِهم فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنِّي أُعطي رِجالًا حدِيثِي عهدٍ بالكفرِ أتألَّفُهم أفلَا ترضَوْنَ أنْ يذهَبَ النَّاسُ بالأموالِ وترجِعونَ إلى رِحالِكم برسولِ اللهِ؟ فواللهِ لَمَا تنقلِبونَ به خيرٌ ممَّا ينقلِبونَ فقالوا: بلى يا رسولَ اللهِ قد رضِينا قال: فإنَّكم ستجِدونَ أثَرَةً شديدةً فاصبِروا حتَّى تلَقُوا اللهَ ورسولَه على الحوضِ قالوا: سنصبِرُ” أخرجه البخاري.
شرح كل مما يلي:
– إن الآية الكريمة تدل على ما كان عليهم الرعيل الأول من تنافس على الآخرة، وحب المسلمين لبعضهم البعض، وتقديم المسلم خصوصاً الأنصاري، أخيه على نفسه في حظوظ الدنيا، وكانت هذه الصفة من أعظم ما تميز به المسلمون في الرعيل الأول، خصوصاً بين الأنصار، الذين آثروا ما عند الله ورسوله على حظوظ الدنيا الزائلة، والحديث الأولُ يُشير إلى تلك النفسية الرائعة التي تميزوا بها.
– تُشير الأحاديث الأخرى إلى فساد ذات حال المسلمين، وتنافسهم على الدنيا، واستئثار بعضهم بحظُوظها، ومنعها عن أهلها، وتحول بيت المال للخاصة من الأمراء والملوك ومن تابعهم ووالاهُم بدلاً من كونه لعامة المسلمين، وهذا تحول خطير، وانحرافٌ مفصلي في أمة ربانية اختارها الله تعالى لقيادة العالم.
– إن من تتبع تاريخ الأمة الإسلامية يجدُ أن ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام قد وقع على الوجه الذي قال، وهذا من علامات النبوة، وقد شعر به الرعيل الأول من الصحابة ممن عاشر دولة الأمويين، حتى نلحظُ أن أنس رضي الله عنه الذي رأى هذه الأثرة قال: فلم نصبر، ومن تتبع التاريخ يجدُ أن الدولة العباسية وما بعدها لم يكن أحسنُ حالاً من الأمويين، بل كان للأسوأ، وكان الأمراء يؤثرون من شاءوا ويخصون بطانتهم دون الناس، وأُعطياتهم من بيت مال المسلمين لم يكن على شكل أداء حقوق الناس بقدر ما كان يحملُ اسم هبات السلطان ومَكرماتهم للناس.
قد يستهينُ البعض في هذه العلامة من علامات الساعة وهي من أعظمها أثراً، فمن المعلوم أن شرارة الفتنة الأولى بين المسلمين كان سببها ما أثير من أن عثمان رضي الله عنه يخص قرابتهُ من دون الناس، وبالرغم من أن عثمان رضي الله عنه لم يخرج عن طور العدل فيما وقع منه، ولم يترتب عليه منع حقوق الناس والجور في حقهم، إلا أنّ وقوع شبهة الأثرة كانت سبباً في إشعال الفتنة.
– ومن تتبع واقع الأمة المعاصر يجد أن الأثرة هيمنت على كل مصالح الناس، وتركزت في يدّ فئةٍ قليلة، وبالمقابل ينالُ باقي الأمة الحرمان، بل من تتبع حال كلّ مؤسسات الأمة يجد أن الأثرة تتربع على كرسي العرش فيها.
– وتضمنت الأحاديث السابقةِ أيضاً بياناً لموقف المسلم من هذا الواقع المنحرف، وهو كما أشار النبي عليه الصلاة والسلام: أداء المسلم الحقوق المطلوبة منه، ويسأل الله الذي له، ولا يُقابل الأثرة بالأثرةِ، والصبر على هذه الحال إلى أن يُلقي رسول الله على الحوض، فينالُ المسلم الثواب لقيامه على الأمر الرباني، وعدم إثارتهِ للفتن في المجتمع المسلم سعياً وراء حظوظ الدنيا، وينالُ الوالي أصحاب الأثرةِ ما حملوا من أوزار منع الناس حقوقهم وظلمهم للعباد.