من علامات الساعة - تهافت الأمم وتكالبها على أمة محمد عليه الصلاة والسلام

اقرأ في هذا المقال


من علامات الساعة – تهافت الأمم وتكالبها على أمة محمد عليه الصلاة والسلام:

أولاً: عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت”. أخرجه أبو داود.
إن توضيح كلمة تداعى: لها معنيان: وهي إما من التداعي وهو التساقط من علٍ؛ أي تتساقط الأمم على أمة محمد طمعاً فيها مثل تساقط الوحوش على الفريسة، أو من الدعوة، أي أن الأمم يدعو بعضها بعضاً للهجوم على أمة محمد عليه الصلاة والسلام كما يدعو الأكلة بعضهم على الطعام.
ولكنهم كغثاء السيل: هذا تشبيه يُراد به أنه لا نفع للأمة في ذلك الزمان مع كثرتها كما أنه لا نفع في الزبد الذي يعلو الماء عند السيول مهما كان كثيراً.
شرح الحديث:
إنّ هذا الحديث فيه إشارةً واضحةً إلى تسليط السيف الخارجي على الأمة بعدما أنهلك السيف الداخلي قوتها، وبداية السيف الخارجي لم يقع إلا بعد سبعة قرون من البعثة، وذلك يكون بهجمة التتار ثم بعد ذلك بالحروب الصليبية، ثم في حلقات الاستعمار الغربي، وفي عصرنا بدأت صورة تكالب الأمم على أمة محمد عليه الصلاة والسلام تكتمل بأبشع أشكالها.
إنّ الحديث يرسمُ صورةً متكاملة لحال الأمة آخر الزمان، فهي كثيرة العدد، وبالرغم من كثرة عددها إلا أنها تكون مطمعاً للأمم الأخرى بسبب هوانها وضَعفها الي بين النبي عليه الصلاة والسلام وأسبابهِ وهو حب الدنيا وكراهية الموت، ممّا يُشير إلى أنّ أكثر أفراد الأمة تتغير في قلوبهم معالم الرسالة التي كانت عند الرعيل الأول والذي كان من أهم أوصافهم كما بيّن خالد بن الوليد في إحدى رسائله لملوك الفرس حيث قال: “بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بم الوليد إلى مرازبة أهل فار السلام على من اتبع الهدى، فإني أحمدُ الله الذي لا إله إلا هو بالحمد الذي فصل حرمكم وفرّق جماعتكم ووهنَ بأسكم وسلب ملككم، فإذا جاءكم كتابي هذا فاعتقدوا مني الذمة، وأدوا إلى الجزية، وابعثوا إلى بالرهن وإلا فو الَذي لا إله إلا هو لأُلقينكم بقوم يحبون الموت كحبكم الحياة”. أخرجه أبو يعلى.

إن الحديث يُشير إلى هجمة الأمم على أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وجاءت لفظة الأمم جمعاً معرفاً وذلك للدلالة على العموم، مما يدل على أنّ الهجمة لا تتولاها أمة بعينها في الأرض بل تتضافر جهود أمم الأرض للكيد بأمة الإسلام، وكأن المستهدف الوحيد هو أمة الرسالة في الأرض، وقد عبر الحديث عن هذه الهجمة أصدق تعبير وأشملهُ وأغزرهُ معاني، فالأممُ تتهافت على أمة الإسلام طمعاً فيها أو خوفاً من رسالة الحق التي خبا نورها بين أفراد الأمة، والتي طالما أزعجت مشركي الماضي.
وقد شبه النبي عليه الصلاة والسلام هذه الهجمة بهجوم أصحاب البطون الشرهة ودعوة بعضهم البعض على قصعة طعام لاحت بين أيديهم، والتشبيه يحمل في طياته عدة معاني منها شدة الهجمة، وشراهة الهاجم، وصغر الوجبة التي تساقط عليها هؤلاء الأكلة ممّا يُشير إلى حرصهم على عدم إبقاء شيءٍ منها، كذلك تتضمن سهولة حصولهم على خيرات الأمة، قال القاري عند تفسيره لإسناد كلمة الأكلة للقصعة: “الضمير للأكلة، أي التي يتناولون منها بلا مانع ولا منازع فيأكلونَها عفوا صفواً، كذلك يأخذون ما في أيديكم بلا تعب ينالهم، أو ضرر يلحقهم، أو بأسٍ يمنعهم”.
ومن تتبع حالُ الأمة في هذا العصر، وطبيعة المؤتمرات التي تكادُ حولها من كلّ أمم الأرض، يهود أو يهود نصارى أو هندوس أو ترك، يجدُ مصداقية كلام رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكأننا بأمة محمد فريسة تنهش منها الذئاب وتأكل منها الكلاب، والعراق والبوسنة وفلسطين والشيشان وأفغانستان وغيرها أكبر دليل على ذلك، بل لا أجانبُ الصواب إذا قلت أن المستهدف الوحيد في الأرض أصبح المسلم والمسلم وحدهُ ولو أرادَ إنسان في هذا العصر الحالي بأن يصف حال الأمة فإنه لن يجد وصفاً أبلغ ولا أكمل من تلك الألفاظ النورانية التي سطرت حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام عن حال الأمة في آخر الزمان. ويكفي هذا الحديث في عصرنا ليكون من أعظم دلائل نبوة الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام.


شارك المقالة: