المؤمنين بقوم هود عليه السلام ودعوته عليه السلام:
بعث الله تعالى الأنبياء للناس لدعوتهم إلى عبادته وحده، وهذا البعث جاء بعد أن كفر الناس وأشرَكوا بالله ما لا ينفعهم ولا يضرهم، فكما هو المعروف أن لكل دعوةٍ رجلاً، ولكل دعوة أناساً يصدقون بها، وآخرون يكفرون ويكذبون بهذه الدعوة ويُعادونها، ونحن نقف أمام نموذج رائع في الدعوة إلى الله، وهو نبي الله هود عليه السلام، الذي دعا قومه لعبادة الله تعالى وترك عبادة الأوثان والأصنام من دون الله فكان قومه عاد ما بين مصدق مؤمن برسالته ودعوته، وما بين مكذب جاحد بنبوته، ونحن في هذا المقام بصدد الحديث عن المؤمنين الذين آمنوا مع نبي الله هود عليه السلام، والذين آزروهُ وعزروه وساروا على المنهجُ الحق، وهو الإيمان بوحدانية الله تعالى.
فأخبر الله تعالى عن هذه الدعوة التي كُلف بها نبي الله هود عليه السلام في كتابه فقال: “قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ” الأعراف:66. لقد ذكر الأمين الشافعي في تفسيره هذه الآية: أي من قوم هود عليه السلام، وجحدوا توحيد الله تعالى، وأنكروا رسالة هود عليه السلام إليهم، وإنما وصف الملأ هنا بالكفر دون ملأ قوم نوح؛ لأن الملأ من قوم هود عليه السلام كان فيهم من آمن بدعوته ومن كفر بها، فمنهم من آمن وأسلم وكان يكتم إيمانه خوفاً من قومه.
لقد ذكر البيضاوي في تفسيره: كان من أشرافِ القوم من آمن مع هود. وهذه الآية الكريمة تٌثبت أن هناك من أشراف قوم هود عليه السلام من آمن معه، وصدق به برسالته، وقول المفسرين يدل على ذلك، وكذلك من خلال سياق الآية القرآنية نلاحظ أن هناك من آمن من الملأ من قوم عاد مع نبي الله هود عليه السلام، ويدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: “قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ” الأعراف:66. ومن خلال السياق نلاحظ أن حرف “من” يفيد التبعيض، أي أن البعض من الملأ آمن والبعض قد كفر، ثم يُخبرنا الله تعالى أن من آمن مع هود قد نجوا من العذاب، وقد ذكر لفظ الإيمان صراحة في موضعين، وهما في النجاة، كما أخبر الله تعالى فقال: “فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا” الأعراف:72.
ويُلاحظ الباحث: أن النبي الله هوداً عليه السلام دعا قومه سنين كثيرة للإيمان بالله وإلى ما يدعوهم إليه، فآمن معه القليل من قومه، وكان الكفار من قومه برسالته ودعوته هم العدد الأكبر، وذلك بسبب إتباع الضعفاء لأمر الأقوياء خوفاً منهم، وبسببِ إتباعهم لمصالحهم، ولما كان عليه أبائهم، فآمن معه القليل وكفر الكثير من قومه، فنجى الله المؤمنين وأهلك الكافرين بكفرهم ومعصيتهم وجحودهم لآيات الله تعالى وهذه سنةُ الله في دعوات الأنبياء جميعاً، نجاة المؤمنين بدعوة الأنبياء برحمته، وإهلاك المكذبين بالعذاب الأليم.