اقرأ في هذا المقال
قصة النبي أيوب عليه السلام:
يقول الله تعالى: “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ – فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ” الأنبياء:83-84. “نادى ربّه” أي دعاه؛ لأن النداء بالنسبة لله دعاء؛ لأن النداء بالنسبة لله دعاء؛ لأن النداء أن تطلب إقبال أحد عليك، لكن نداء الله تعالى معناه الدعاء؛ لأنه غير نداء البشر؛ لأن نداء البشر كل مراده الإقبال، تقول مثلاً: يا محمد، فيأتيك، لكن في أي شيء تحتاجه، هذا شيء آخر، لكن أيوب حينما نادى ربه ناداه بمطلوب يريد أن يحققه له، والضر ابتلاء في جسده بمرضٍ أو غيره، وقالوا: إن الأنبياء لا يمرضون مرضاً ينفرُ الناس منهم، ومعنى الضر: هو الإيذاء في الجسد، أما الضرر: فهو أي إيذاء في أي شيء آخر غير الجسد.
إنّ أيوب عليه السلام لما أصابه الضر صبر، ولكن ألم الضر جعله يدعو ربه أن يكشف عنه ضره؛ لأن الإنسان لا يتشجع على الله. وكلمة: “أرحم الراحمين” نحن قلنا: حبن ترى جمعاً يدخل الله فيه نفسه مع خلقه في شيء، فاعلم أن له معنى آخر، مثل : “أحسن الخالقين” وخير الحاكمين.
إن الله حين ناداه أيوب استجاب له وكشف عنه الضر، فقال تعالى: “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ” الأنبياء:84. فهو كان يشتكي من الضرّ وقلة الأهل، فلم يكن له عزوة، فلما استجاب الله دعوته، أعطى له إجابة دعائه وزاده أشياء لم يطلبها في دعائه، فكشفنا عنه الضر وآتاهُ أهله وزادهُ مثلهم أيضاً، رحمة من عند الله فوق ما طلب، وهذا كله رحمةً من الله وذكرى لكلِ عابد؛ لأن العابد الذي يخلص عبادته لله، عليه أن يعلم أنه إذا أصابه مكروهٌ ولجأ إلى الله، فإن الله يرفع عنه هذا المكروه، ويعطيه نعماً فوق ما طلب.
ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: “لقد مات أولاد يعقوب السبعة من الذكور ومِثلهم من الإناث، فلما عوفيَ ولدت له زوجته سبعة بنين وسبع بنات وعوضه الله خيراً”. ولقد فعل الله به ذلك من أجلِ رحمته به بعد امتحانه وابتلائه من أجل أن يكون عبرةً لغيرهِ المؤمنين المتقين الصالحين؛ ليصبروا كما صبرَ أيوب عليه السلام، ويقول بعض العلماء أن أيوب عليه السلام مكث فى البلاءِ ثماني عشرةَ سنة.
بماذا ابتلى الله أيوب عليه السلام؟
إنّ الشيطان كلما كان يرى أيوب عليه السلام شاكرأً لله يزيدُ غيظهِ، بعدما اختلف حالُ أيوب من قمةِ الثراء إلى شدةِ الفقر، فشكر أيوب ربهُ وخرّ ساجداً له، وقال: إن الله يؤتى المُلكَ من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، فلم يجد الشيطان أمامه إلا أولادَ أيوب عليه السلام، فأباحهما الله له لكى يُثبت الله له أن أيوب عبد مؤمن خالص الإيمان، فمات أولاد أيوب جميعاً وهنا سجد لله حامداً، وقال لك الحمد مُعطيها وسالبها، وعاد الشيطانُ يدعو الله ويقول إن أيوب عليه السلام لم يزل صابراً؛ لأنه مُعافى فى جسده ولو أنك سلطتني يارب على بدنه فسوف يكفُ عن صبره. ونزل المرضُ على جسد أيوب وظل على صبره وشكره لله تعالى ، يحمد الله على أيام الصحة ويحمده سبحانه وتعالى على بلاء المرض ، فهو يشكر الله في الحالتين.
لقد امتلئ غيظُ الشيطان، فلم يعرف ماذا يفعل فهو يريد إغواء سيدنا أيوب وإخراجه عن صبره وشكرهِ لله بأى طريقة وعندما يئس الشيطان من إغواء سيدنا أيوب فكرَ بأن يملأ قلب إمرأة أيوب باليأس، حتي ذهبت إلى زوجها، وقالت له حتى متى يعذبك الله، فأين المالُ والأولاد والصديق والرفيق وأين شبابك وعزك القديم، لو دعوة الله عز وجل لأنزل عليك رحمته لما أنت فيه، فقال لها كم لبثنا في الرخاء: فقالت ثمانين سنة: فقال لها أيوب عليه السلام إني لأستحي من الله أن أدعوه وما مكثت في بلائي المدة التي مكثتها في رخائي.
سيدنا أيوب عليه السلام العبد الصالح الذي ابتليَ بأنواعِ البلاء الشديد فصبر، وقام أيوب عليه السلام بالتوجه إلى اللهِ داعياً الله أن يشفيه فاستجاب له الله فقال: “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ– فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ،ففي هذه الآيةِ الكريمة مناداه من النبي أيوب عليه السلام لربه متضرعاً خاشعاً ومتوسلاً إليه قائلاً: إني مسني الشيطان بمشقةٍ وألم شديد في بدني وقد أصبت في مالي واهلي. فمدّ الله إليه يد العونِ وأرشده إلى أن يضرب الأرض برجله، فضربها، فتفجرت أمامهُ عينَ ماءٍ فأمره الله أن من عينٍ يغتسلُ ومن عينٍ اخرى يشرب. وقال: “ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ” ص:42. فذهب ما كان بجسده وذهب كل مرضٍ كان بداخل جسمه وشفي ظاهرهُ وباطنه ومتعه الله بصحته وماله وقواه حتى كثر نسله وذلك جزاءً لصبره، وقال: “وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ” ص:43.
لقد منّ الله تعالى على أيوب عليه السلام أضعافَ ثروتهِ كرماً من عندهِ ، فلم يعد أيوب عليه السلام فقيراً، وعادت إليه صحتهِ بعد طولِ المرض وشكرَ أيوب الله. وهناك قسمٌ قسمهُ أيوب على نفسه وهو أن يضرب أمراتهُ مائة ضربةٍ بالعصا عندما يشفى، وها قد شفاهُ الله بقدرته وكان الله سبحانه وتعالى يعلمُ أنه لا يقصد ضرب امرأتهِ ولكي لا يرجعَ في قسمه أو يكذب فيه، فقد أمره الله أن يجمع حزمةً من أعواد الريحان عددها مائة، ويضرب بها امرأتهُ ضربة واحدةً ، وبذلك يكون قد نفذ قسمهُ ولم يكذب. وجزيَ الله النبي أيوب عليه السلام علي صبره أن مدحه فى القرآن الكريم: “إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ” ص:44.
ماذا نستفيد من قصة أيوب عليه السلام؟
إن ما يجب علينا أن نتعلمهُ من قصة سيدنا أيوب أنه مهما عظمت المصائبُ والابتلاءات فليس علينا إلا الصبر والاحتساب عند الله تعالى؛ لأن الله هو من بيدهِ مفاتيحُ الأمور وليس لأي إنسان القدرة على حلّ أي أمرٍ من أموره من غير درةً على حلّ أي مشكلةٍ سوى الله. فقصةُ يوسف تشتمل على عديدٍ من المواعظ والقصص والحكم والعبر وهي:
- أن الله تعالى هو الملجأ والمنفذ الوحيد الذي نعود إليه في الفرح والحزن، وأنه هو وحده الذي يفرجها، ويحلُ كل صعب، فكل ذلك يتحقق حينما يكون لدينا اليقين بأن الله هو القادر على كل ذلك.
- أن الصبر ثم الصبر؛ لأنه هو الشيءُ الوحيد الذي نرجعُ إليه في وقت الإبتلاءات والمحن، ومن أقوى الأمثلة على ذلك هو صبرُ النبي أيوب عليه السلام على ما أصابه من مصائبٍ ومحن، فقد كان عظيماً في صبره، لأنه فقد ورثه وولده ومرض مرضاً شديداً وصبر على كل ذلك؛ لأنه يعلم أن الله تعالى لا يبتلي إلّا العبد المؤمن. هذا كان اختبار لكي نعلم مدى صبر أيوب على ابتلاءاته.
- إنّ قصة أيوب عليه السلام تدلُ على أن الفرج لا محالة من حصولههِ ومهما طالت الشدةُ وعظمَ الإبتلاء، فلابد أن تُشرق شمس الفرج والفرحة في وقتٍ ما، ويجزي الله الصابرين على الابتلاء خيراً كثيراً.