ولادة إدريس عليه السلام ونشأته ولغته:
جاء في التوراة: هو أخنوخ بن يارد بن مهللئيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم، وكان عُمر آدم لما ولد شيث”130 سنة”، وعمر شيث لما ولد أنُوش 105 سنة. وعمر أنوش لما ولد قينان 90 سنة. وعُمر قينان لما ولد مُهللئل 70 سنة، وعمر مُهللئل لما ولد له يارد 65 سنة، وعمر يارد لما ولد له أخنوخ 162 سنة، ويتضح من ذلك أن أخنوخ ولد لما كان عمر آدم 622 سنة.
ولم تذكر المصادر اليهودية موضع ولادة أخنوخ، بينما ذكرت المصادر الإسلامية أن إدريس عليه السلام عاش في الفترة التي بين آدم ونوح عليهما السلام وهي فترة ما قبل الطوفان، أي أقدم من 500 قبل الميلاد، خلال العصر المسمى بالعصر الحجري الحديث:600-500 قبل الميلاد، وهناك عدة آراء للعلماء المسلمين في مولد إدريس عليه السلام ومكان نشأته، فقد ذكر الألوسي أنه ولد بمصر في منف وسموه هِرمس الهرامِسه، حيث أقام فيها يدعو لعبادة الخالق والتوحيد، وأمر الخلائق بالصلاة والصيام وجهاد الأعداء والزكاة بالأموال لمعونة الضعفاء. وذكره ابن جلجل: قال أبو معشر: كان سكنُ إدريس عليه السلام صعيد مصر، ويذكره ابن أبي أصيبعة، وعند العرب أن إدريس عليه السلام مولده بمصر، وقال أبو معشر: وكان مسكنه صعيد مصر.
ويقول صاعد الأندلسي في كتابه “طبقات الأمم” ذكر جماعة من العلماء أن جميع العلوم التي ظهرت قبل الطوفان، إنما صدرت عن هِرمس الأول السكن بصعيد مصر الأعلى، وهو الذي يسميه العِبرانيون خَنوخ بن يارد بن مُهللئل بن قينان ابن أنوش بن شيث بن آدم بن آدم عليه السلام وهو إدريس النبي عليه السلام.
ويُرجح العلماء أن بني شيث وبني أنوش وقِينان ومُللئيل سكنوا الهضبة الشرقية لوادي النيل، وعندما قل العشب في الهضبة أخذوا يتجهون غربّاً حتى وصلوا إلى نهر النيل، لتوفر المياه والمراعي، ظهرت أولى الحضارات في العالم في مصر، فأقام إدريس عليه السلام في مصر، وتلاه نوح نوح في العراق، وعاشوا في جماعات متفرقة، وبنوا بيوتاً فيها.
ويقول القفطي: قالت فرقة: إنه ولد ببابل ونشأ فيها، وأخذ علمه من شيث بن آدم جد أبيه، ونهى المفسدين من بني آدم عن مُخالفهم شريعة آدم وشيث، فآمن به قليل، وخالفه الكثير، فخرج هو وأتباعه إلى مصر، ويعلق رشدي البدرواي في كتابه “قصص الأنبياء والتاريخ” على هذا : أن هذا الإفتراضِ غير صحيح؛ لأنه ما دام المقر الأخير إلى مصر فالأقرب إلى العقل أن يكون طريق باب المندوب هو أقصر الطرق التي سلكها أجداده إلى مصر.
وجاء اْيضا في ذكر إدريس عليه السلام اْنه سكن مصر بحسب قول ابن العبري فقال: والعرب تسميه إدريس عليه السلام … الساكن بصعيد مصر الاْعلى.
وجاء في شاْن زمانه يذكر البخاري عن ابن مسعود وابن عباس اْن إلياس هو إدريس عليه السلام، واستأنَسوا في ذلك بما جاء في حديث الزهري عن اْنس في الإسراء: اْنه لما مر به عليه السلام قال له: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ولم يقل كما قال آدم وإبراهيم: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح، قالوا فلو كان في عمود نسبه لقال له، كما قالا له أي الابن الصالح، والرد على هذا، أنه قال الأخ الصالح على سبيل التواضع، ولم ينتصب له في مقام الأبوة كما انتصب لآدم أبي البشر وإبراهيم خليل الله وأكبر أولي العزم بعد محمد عليه الصلاة والسلام وقيل أنه قال ذلك، لمؤاخاة في التوحيد فقدم في الأهمية عن النسب.
لغة إدريس عليه السلام:
يذكر المؤرخون العرب أن اللغة السريانية هي أقدم لغات العالم، وهي اللغة التي تكلم بها آدم عليه السلام، فيقول المؤرخ صاعد الأندلسي في كتابه طبقات الأمم: إن اللسان السرياني هو اللسان القديم، لسان آدم عليه السلام وإدريس ونوح وإبراهيم ولوط عليهم السلام وغيرهم، ثم تفرعت اللغة العبرانية والعربية من اللغة السريانية.
وعن لغة إدريس عليه السلام قال القفطي: تكلم الناس في أيامهِ باثنين وسبعين لساناً، وعلمهُ الله عزّ وجل منطقتهم ليعلم كل فرقةٍ منهم بلسانهم، وإن إدريس عليه السلام كان يكلم أهل مصر بلسانهم.
وقال القنوجي: في أبجد العلوم: إنّ آدم عليه السلام وضع كتاباً في أنواع الألسن قبل موته بثلاثمائة سنة، كتبها في الطين، ثم طحنهُ، فلما أصاب الأرض الغرق، وجدَ كل قومٍ كتاباً فكتبوه من خطه، فأصاب إسماعيل عليه السلام الكتاب العربي، وفي رواية أن آدم عليه السلام كان يرسم الخطوط بالبنيانِ، وكان أولاده تتلقاها بوصية منه، وكان أقرب عهد إليه إدريس عليه السلام.