هل تصح صلاة من صلى وحده وهو يقدر على صلاة الجماعة؟

اقرأ في هذا المقال


صلاة من صلى وحده وهو يقدر على صلاة الجماعة:

إنّ مسألة صلاة الشخص وحده وهو قادرٌ على أن يصلي جماعةً فيها أمران مختلفان وهما:

– أن صلاة الجماعة فرضٌ أم سنة، فإن قلنا هي فرضٌ فهل هي شرطٌ لصحة الصلاة، أم تصحُ بدونها مع عصيان تاركها؟ فهناك أيضاً مسألتانِ مختلفتانِ وهما:
– أن الفقهاء اختلفوا فيها، فقال بوجوبها عطاءٌ ابن أبي رباح، والحسن البصري، وأبو عمرو والأوزاعي، وأبو ثور، ونصّ عليه الشافعية. وأما الجماعة فلا أرخّص في تركها إلا من عذر. وذكر ابن المنذر قال: إيجاب الجماعةِ على العميانِ، وإن بعدت منازلهم عن المسجد، ويدلُ ذلك على أن شهود الجماعة فرضٌ لا ندبٌ، ثم ذكر حديث أم مكتوم أنه قال: يا رسول الله، إنّ بيني وبين المسجد نخلاً وشجراً، فهل يسعني أن أصلّي في بيتي؟ قال: تسمعُ الإقامة، قال: نعم، قال: فأتها” أخرجه أبو داود.
وقال ابن المنذر: هناك ذِكرُ تخوف النفاق على تارك شُهود العِشاء والصُبح في جماعةٍ، ثم قال في أثناء الباب، فدلّت الأخبار التي ذكرت على وجوب فرض الجماعةِ على من لا عذر له. مما دلّ عليه قولهُ لابن أم مكتوم وهو ضرير: “لا أجد لك رخصةً” فإذا كان الأعمى لا رخصة له فالبصير أولى أن لا يكون له رخصة.
وهناك حديث أبي هريرة: أن رجلاً خرج من المسجد بعدما أذّن المؤذنُ فقال: “أمّا هذا فقد عصى أبا القاسم، ولو كان المرء مخيّراً في ترك الجماعة وإتيانها لم يجز أن يعصي من تخلّف عمّا لا يجب عليه أن يحضره” أخرجه مسلم. وحينما أمر الله تعالى ذكره بالجماعة في حال الخوف دلّ على أنّ ذلك في حال الأمن أوجب.
وإنّ الأخبار المذكورة في أبواب الرّخصة في التخلّف عن الجماعة لأصحاب العذر تدلّ على فرض الجماعة على من لا عذر له، ولو كان حال العذر وغير حال العذر سواء لم يكن للترخيص في التخلّف عنها في أبواب العذر معنىً. ودلّ على تأكيد فرض الجماعةِ قوله عليه الصلاة والسلام: “من يسمعُ النّداء فلم يجب فلا صلاةَ له”. وقال الشافعي: أن الأذان ذُكر بالصلاةِ فقال: “وإذا ناديتُم إلى الصلاة” المائدة:58. وسنّ الرسول عليه الصلاة والسلام الأذان للصلوات المكتوبةِ، فأشبه ما وصفتُ، أن لا يحلّ ترك أن يُصلّي كلّ مكتوبةٍ في جماعةٍ حتى لا يخلو جماعةٌ مُقيمون أو مسافرون من أن يُصلّي فيهم صلاة جماعة، فلا أرخص لمن قدر على صلاة الجماعة في تركِ إتيانها إلّا من عذرٍ.
وإنّ تخلّف أحدٌ فصلّاها قبل الإمام أو بعده، إلا صلاة الجمعة؛ فإنّ على من صلّاها ظهراً قبل صلاة الإمام كان عليه إعادتها؛ لأن إتيانها فرضٌ. وكلّ ذلك لفظ ابن المنذر.
وقال الحنفية والمالكية: هي سنةٌ مؤكدة، ولكنهم يؤثمون تارك السّنن المؤكدةِ، ويصححون الصلاة بدونها، فالخلافُ بينهم وبين من قال”إنها واجبةً لا شرطٌ” لفظي، وكذلك أيضاً صرح بعضهم بالوجوب. وقال الموجبون: قال تعالى: “وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ” النساء:102.
ووده الاستدلال في هذه الآية هي عدة وهي: أنه أمرهُ الله سبحانه وتعالى لهم بالصّلاة في الجماعةِ، ثم أعاد الأمر سبحانه مرةً أخرى في حق الطائفة الثانية، ، بقوله: “ولتأتِ طائفة أخرى لم يُصلّوا فليُصلّوا معك” وفي هذا دليلٌ على أنّ الجماعة فرضٌ على الأعيان؛ إذ لم يسقطها سبحانه عن الطائفةِ الثانية بفعل الأولى. ولو كانت الجماعة سُنة لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف، ولو كانت فرض كفاية لسقطت بفعل الطائفة الأولى. وفي الآية أيضاً دليلٌ على وجوبها على الأعيان، فهذه على ثلاثة أوجه: أنهُ أمرهُ بها أولاً، ثم أمرهُ بها ثانياً، وأنّه لم يرخّص لهم في تركها حال الخوف.
وهناك قوله تعالى: “يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ” القلم:42-43. ووجه الاستدلال هنا، أنه سبحانه عاقبهم يوم القيامة، بأن حال بينهم وبين السجود، لمّا دعاهم إلى السجود في الدنيا فأبوا أن يُجيبوا الدّاعي، إذا ثبت هذا فإجابة الدّاعي هي إتيانُ المسجد بحضور الجماعة لا فعلها في بيته وحده.
ومن السنة: ما رواه مسلم في صحيحه، من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا كانوا ثلاثةً فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم”.

وهكذا فسّر النبي عليه الصلاة والسلام الإجابة؛ فروى مسلمٌ في صحيحهِ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي عليه الصلاة والسلام رجلٌ أعمى، فقال: يا رسول الله، ليس لي قائدٌ يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له، فرخص له فلمّا ولىّ دعاهُ، فقال: “هل تسمع النّداء بالصلاة؟ قال: نعم: قال: فأجب، فلما يجعلهُ مُجيباً له بصلاتهِ في بيتهِ إذا سَمع النّداء، فدلّ على أنّ الإجابة المأمور بها هي إتيان المسجد للجماعة”.


شارك المقالة: