وصايا النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن الجار:
لقد أوصانا النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما هو فيه خير لنا وفيه صلاح لأمرنا في ديننا ودنيانا وفي آخرتنا، ومما وصانا به الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن نحسن إلى الجيران سواء أكان الجيران من الأقارب أو كانوا من عامة المسلمين، وحتى لو كانوا من غير المسلمين، حيث استمرت الوصية بالجار من جبريل عليه السلام لنبينا الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى ظن النبي أنه سيورثه، وما هذا إلا لعظم حق الجار.
فعن أم المؤمنين السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : “قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه “(البخاري) .
الكثير من الناس لا يعرف مَن جاره وحتى لا يسأل عنه أو يقوم بتفقد أحواله، والبعض من الناس لا يهتم أبداً بحق جاره عليه، مع أن تفقد الجار والإحسان إلى الجار وإكرامه والقيام بكل بحقوقه هو أمر قد أوصى به النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأكد عليه نبينا الكريم في الكثير من أحاديثه ووصاياه، ومن ذلك:
الحقوق العامة:
للجار على جاره العديد من الحقوق العامة وهي حقوق للمسلم على أخيه المسلم، والتي ذكرها النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: “حق المسلم على المسلم ست، قيل : ما هي يا رسول الله؟، قال : إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه”(أحمد) .
وقد حذر النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من عدم القيام بنفع الجار أو عدم مساعدته، وذك فيما رواه البخاري عن نافع عن ابن عمر قال: “لقد أتى علينا زمان ـ أو قال : حين ـ وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم ، ثم الآن الدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم ، سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة يقول : يا رب هذا أغلق بابه دوني فمنع معروفه )”.
الإحسان إلى الجار:
لقد أوصى النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بإكرام الجار وأيضاً الإحسان إليه في الكثير والعديد من الأحاديث كثيرة، وهو ما روي عن أبي شريح الخزاعي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره” (مسلم).
وعن أبي شريح العدوي قال: “سَمِعَتْ أذناي وأبصرَتْ عيناي حين تكلم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره” (البخاري).
ومن صور الإحسان بين الجيران هو التهادي بين الجيران، حيث يجب أن لا يقوم الجار بحقر هديةً قد جاءته من جاره مهما كانت الهدية، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ” يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة “(البخاري). فكلمة فرسن شاة تعني: عظم قليل اللحم وهو خف البعير .
وعن السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: “قلتُ يا رسول الله : ( إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال : إلى أقربهما منك بابا )”(البخاري).
وعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ “أنه ذبحت له شاة، فجعل يقول لغلامه: أهديتم لجارنا اليهودي، سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )”(البخاري) .
ومن الإحسان للجيران هو تفقد طعامهم، هل عندهم قوت يومهم، فعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: “أوصاني خليلي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه، ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف )”(مسلم).
ومن الأحاديث الدالة على ذلك هو ما روي عن عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: “ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه )”(الحاكم) .
وقد قال الشيخ الألباني: ” في الحديث دليل واضح على أنه يحرم على الجار الغني أن يدع جيرانه جائعين، فيجب عليه أن يقدم إليهم ما يدفعون به الجوع، وكذلك ما يكتسون به إن كانوا عراة، ونحو ذلك من الضرورات ..”.
وعن الصحابي الجليل أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به )”(الطبراني).
إعداد الطعام للجيران لوفاة عندهم:
قال الشيخ الألباني في كتابه أحكام الجنائز : ” وإنما السُنَّة أن يصنع أقرباء الميت وجيرانه لأهل الميت طعاما يشبعهم، لحديث عبد الله بن جعفر ـ رضي الله عنه ـ حين قُتِل قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر شغلهم )”(أبو داود) .
إياك وإيذاء الجار:
وقد حذرنا الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من إيذاء الجار وهو ما روي عن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : “قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذى جاره )”(مسلم) .
وعن أبى شريح الكعبي أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قالوا: وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : الجار لا يأمن جاره بوائقه، قالوا يا رسول الله: وما بوائقه ؟ قال : شره”(أحمد).
وعن الصحابي الجليل أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: “قال رجل : يا رسول الله إن فلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها؟ قال: هي في النار”(أحمد) .
كما حذر النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ تحذيراً قوياً شديداً ممن يؤذي جاره، والأذى من دون حق هو محرم، وأن أذية الجار هو أشد تحريماً، وقد جاء الوعيد الشديد من النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ محذراً كل من يتطلع على عورات جيرانه ونسائهم أيضاً، فعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: “سألت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلتُ : إن ذلك لعظيم، قلت: ثم أي؟ قال: وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال : أن تزاني حليلة جارك )”(البخاري) .
وعن المقداد بن الأسود ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ قال لأصحابه: “ما تقولون في الزنا؟ قالوا: حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة، قال: فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه: لأِن يزني الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره، قال: فقال: ما تقولون في السرقة ؟ قالوا: حرمها الله ورسوله فهي حرام، قال : لأِن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره )”(أحمد).
وليس أبداً من حق الجار على جاره أن يقوم برد الأذى بمثله، ولكن عليه بالصبر وأن يحتمل الأذى منه، لقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يشنؤهم الله : الرجل يلقى العدو في فئة فينصب لهم نحره حتى يُقتل أو يفتح لأصحابه، والقوم يسافرون فيطول سراهم حتى يحبوا أن يمسوا الأرض فينزلون، فيتنحى أحدهم فيصلي حتى يوقظهم لرحيلهم، والرجل يكون له الجار يؤذيه جاره فيصبر على أذاه حتى يفرق بينهما موت أو ظعن، والذين يشنؤهم الله: التاجر الحلَّاف والفقير المختال والبخيل المنان)”(أحمد).
مصطلحات توضيحية:
يشنؤهم : يبغضهم.
ظعن : السفر والارتحال.
الحلاف : كثير الحلف.
المختال : المتكبر المُعْجَب بنفسه.
المنان : الفخور على من أعطى حتى يُفسِدَ عطاءَهُ
لقد كان حال الكثير من الناس في الجوار قبل بعثة النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما وصف الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب بقوله: ” إنّا كنا أهل جاهلية وشر، نقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ” فجاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرفع قيمة حسن الجوار، وأعطى للجار حقوقا كثيرة ساعدت في قوة وسلامة المجتمع، وإرساء قواعد المحبة والأمن والتعاون بين أفراده “.
ولهذا ما أحوجنا إلى الاقتداء بالنبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ والأخذ بهديه وسنته في كل حياتنا، كما قال الله تعالى: “{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }”(الأحزاب:21).