وصايا النبي محمد في البيع والشراء:
كان للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم العديد من الوصايا والفضائل التي كان يحث صحابته الكرام رضوان الله عليهم وجميع الناس على قولها وفعلها والقيام بها؛ لما لتلك الوصايا الفضل في رفعة الإنسان المسلم في الدنيا والآخرة، ولما لها من نفعه كبيرة وأجر عظيم له.
اشتهر نبي الله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بأنه كان يعمل في التجارة وكان ذلك قبل بعثته وبعدها أيضاً، وقد ساهمت العديد من العوامل في نجاح تجارة النبي الكريم محمد وبيعه وشراءه، ومن هذه العوامل امتلاكه للعديد من مقومات التاجر الناجح في تجارته، حيث تجلّى – صلى الله عليه وسلم – بالكثير من الصفات والأخلاق الحميدة والطيبة كالصدق والأمانة، كما أنه كان عليه الصلاة والسلام قد تاجر مع عمه، وتاجر في أموال أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها.
كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقوم بمباشرة البيع بنفسه، وهو ما ورد في حديث جمل عمر وجمل جابر رضي الله عنهما، كما أنه يُوكِل ذلك إلى أحدٍ من أصحابه، كما ورد عن عروة بن أبي الجعد البارقي حيث أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ديناراً يشتري به أضحية أو شاة فاشترى شاتين، فباع إحداهما بدينار، فأتاه بشاة ودينار، فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى ترابًا لربح فيه”.
كما كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يأمر التجار في تجارتهم بالتحلي بالبرِ والصدق والصدقة وهو ما روي عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا “رواه البخاري ( 1973 ) ومسلم ( 1532 ).
ومن الأحاديث على ذلك الأمر هو ما “روي عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُصَلَّى، فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فَقَالَ: ( يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ)، فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ فَقَالَ: (إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّاراً، إِلاَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَق)” رواه الترمذي (1210) وابن ماجه (2146) ، وصححه الألباني في “صحيح الترغيب ” (1785).
ومن الأحاديث الدالة على حث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم للتجار على البرّ والصدقة والصدق هو ما روي عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ قال : “كان صلى الله عليه وسلم يقول : (يا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ)”. رواه الترمذي (1208) وأبو داود (3326) والنسائي (3797) وابن ماجه (2145)، وصححه الألباني في “صحيح أبي داود”.
وكان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يأمر التجار بالتحلي بالسماحة واليسر في عملية البيع والشراء، وهو ما روي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:“رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى” رواه البخاري (1970).
كما كان الرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يحسن أداء الحقوق إلى أهلها وأصحابها وكان يحث علي القيام برد الحقوق لم له حق فيها، وهو ما روي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : “كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم سِنٌّ مِنَ الإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ: (أَعْطُوهُ)، فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلاَّ سِنًّا فَوْقَهَا، فَقَالَ: (أَعْطُوهُ)، فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللَّهُ بِكَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً )” رواه البخاري (2182) ومسلم (1601).
وكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يحث على إقالة النادم وهو ما عن روي الصحابي أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : “قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )” رواه أبو داود (3460) وابن ماجه (2199)، وصححه الألباني في “صحيح أبي داود “.
إلى جانب ذلك فقد كان رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يساوم في عملية الشراء، وكان عليه الصلاة والسلام لا يبخس الناس والتجار بضاعتهم، وهو ما روي عن سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: “جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَمَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ ” هَجَرَ ” فَأَتَيْنَا بِهِ مَكَّةَ، فَجَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي، فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ، فَبِعْنَاهُ “ رواه الترمذي (1305) وقال : حسن صحيح ، وأبو داود ( 3336 ) والنسائي (4592) وابن ماجه ( 2220 ).
كما كان النبي العادل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يأمر ويحث برجحان الوزن وهو ما روي عن سُوَيْد بْنِ قَيْسٍ قَالَ: “(رأى) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَزِنُ بِالأَجْرِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (زِنْ وَأَرْجِحْ )”، كما أنه كان صلى الله عليه وسلم يأمر ويحث بإنظار المعسر والحط عنه أيضاً وهو ما روي عن أبي اليسر رضي الله عنه قال : “قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ)” رواه مسلم (3006) .
إضافةً إلى ذلك فقد كان رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ينهى الناس عن التعامل في تجارتهم بالربا وبيع الغرر وأيضاً بيع العِينة، وأمر بالنهي عن التجارة بالمحرمات ونهى عن أفعال الغش والخداع.