لا يمكن دراسة الإعلام في أيِّ بلدٍ بمعزلٍ عن النظام الاجتماعي والسياسي الذي يسود فيهِ، واعتماداً على ذلك فإنَّ وسائل الإعلام تلعب دوراً كبيراً في التأثير على العاملين داخل الدولة فبالتالي يتميَّز عملهم ونتاجهم.
فهنالك أسباب مُتعدّدةٌ وراء اختلاف نظم الإعلام من بلد إلى آخر، وذلك تبعاً للإمكانيات البشرية والتقنية وأخرى مرتبطة بتطوُّر المجتمع في المجالات السياسية، والاجتماعية، والثقافية والاقتصاديَّة.
إنَّ الأسلوب الذي تعمل به وسائل الإعلام في أي بلد يوضِّح الكيفية التي تمارس بها السلطة نفوذها وطبيعة العلاقة التي تربط الأفراد بالمؤسَّسات، ومنه توصَّل الباحثون في دراسة النّظم السياسية والاجتماعية وعلاقتها بالإعلام في مختلف الدول إلى أنَّ هنالك نظريَّات أو فلسفات تسود في هذا العالم، وتحكم توجُّهات دور الإعلام فإنَّ عراقة الصحافة كونها أقدم وسيلة اتّصال بالجماهير، وما نجم عنها من تقاليد وسياسات مختلفة انبثقت منها هذه النظريات.
النظريات الإعلامية المعاصرة:
نظرية السلطة:
نشأت هذه النظرية في إنجلترا حيث تُصنَّف هذه النظرية على أنها أقدم النظريات الإعلامية، حيث بدأ تطبيقها مع اختراع الطباعة وانتشار الصحافة، حيث كانت السلطة في ذلك الوقت تتجمَّع بأيدي فئة الصفوة الحاكمة التي تضع القوانين وتتحكَّم بالمقدَّرات والأمور دون أنْ يكون للشعب دور في صنع القرارات.
فعلى الرغم من أنَّ الدولة التي تعمل بنظرية السلطة لا تمتلك مؤسَّسات الإعلام إلَّا أنّ هذه المؤسَّسات الإعلامية مُجبرة ومُلزمة بمماشاة سياسة الدولة وتنفيذها بموجب القوانين التي تحدّد واجباتها حيث كان للشعب واجب عليهم أنْ يطيعوا السلطة ويعملوا على خدامتها، ولم تنادِ هذه النظرية على حرية الرأي والفكر للأفراد.
ولقد أدرك في حينها الحكَّام مدى قدرة الصحافة في التأثير على الشعوب ممَّا جعلها تفرض عقوبة على كلِّ من ينشر المواد المحظورة التي لا تسمح بها القوانين، وعليها فلقد أحكمت السيطرة على هذه الوسيلة التي سمّتها بالوسيلة الخطيرة في حين أنّها أباحت لنفسها حقّ سحب التراخيص وتغيير السياسات حسب المُتطلبات والظروف.
نظرية الحرية:
نشأت هذه النظرية في إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية فهي تناقض ما جاء في نظرية السلطة، حيث كانت الصحافة في نظرية السلطة مُقتصرة على نقل المعلومات من السلطة إلى الشعب واطّلاعهِ على السياسات والقرارات وتأييدها دون إتاحة الفرصة لمناقشتها أو إبداء الرأي فيها.
أمَّا ما جاء في نظرية السلطة فإنّها إتاحة فرصة للأفراد بالتَّعبير عن رأيهم، ولم تعبترهم خادماً للسلطة وإنَّما عنصر فعّال قادر على التمييز بين الخير والشر، حيث لم تُعد الحقيقة حِكراً على السلطة بل أصبح من واجب الفرد البحث عنها بأسلوب التجربة والخطأ، فهو مصدر السلطة والسياسة ولهُ الحقُّ في مراقبة الحكومة ومراقبة أعمالها.
ماذا تُعني حرية الصحافة؟
- الوقوف في وجه الطغيان السياسي.
- القيام بدور السلطة الرابعة الرَّقابية على مجريات الأمور وأعمال الحكومة.
- إبراز الحقيقة وإظهارها على أساس أنَّ الصحافة شريكٌ للإنسان في بحثهِ عن الحقيقة.
- وأخيراً، فإنَّ هذه الحرية غير مُطلقة بل مُحدّدة خاصَّة في حال تعارض الحرية مع القوانين الدستورية أو حتى تعرض كيان الدولة والمجتمع للتَّهديد والخطر.
إنَّ الإنسان دائماً ما يكون بحاجة ماسَّة للمعلومات للإطّلاع على الشؤون العامَّة ليكون قادراً على استخدام حقّه في الانتخاب والتصويت من أجل المشاركة في العملية السياسة والاجتماعية في الدَّولة.
فعلى العموم فإنَّ دور الإعلام كرقيبٍ على السلطة، وهو دور قد يكون أحياناً أقرب إلى الموقف المثالي منه إلى واقع الحياة العملية، ففي بعض الأحيان ترتبط الوسائل الإعلامية بمصالح مادية وحيوية تؤثّر على مصالحها.
النظرية السوفياتية الشيّوعية:
يعود ظهور هذه النظرية إثرَ قيام الثورة البلشفية في روسيا، وانتشرت هذه النظرية في الدول التي تدور في فلك الاتّحاد السوفياتي، وتعتنق المبادئ الشيوعية حيث تخضّ وسائل الإعلام للدولة وتعمل بموجب تعليماتها.
تختلف هذه النظرية عن نظرية السلطة في أنَّها ألغَت حافزَ الربح من وسائل الإعلام، وأنهَت بذلك المنافسة على الكسب المادي بينها إذ كان الإعلام في نظرية السلطة لا يسمح للأفراد بنقد السلطة، أمَّا في النظرية الشيوعية فإنها طالبت بتعميق الوعي السياسي بين الناس دون توجيه نقد للحزب أو كبار المسؤولين.
نظرية المسؤولية الإجتماعية:
بسبب عدم رضا المفكرين عن نظرية الحرية قاموا بتوجيه انتقادات إليها منها، أنَّ الصحافة تمكّنت من زياد قوتها ونفوذها على حساب قيامها بواجبها تجاه الجمهور في الوقت الذي تزايد فيه اعتماد الجمهور على الإعلام.
فالصحافة في رأيهم لم تقم بالدور الصحيح والفعّال في عرض وجهات النظر المختلفة في سوق حرة للأفكار، كما أنها انحنت أمام ضغوط الشركات الكبرى وسمحت للمُعلنينن بأن يتحكَّموا في سياستها وتوجهاتها.
أصبح من الضروري أنْ تتحمَّل الصحافة قدراً من المسؤولية في مُمارسة العمل الإعلامي، في حين أنَّ حقَّ الجمهور في المعرفة والإطلاع على الحقائق والمعلومات، فالحكومة والشعب يعطيان الصحافة حقّها في حرية التعبير، ممَّا واجهت هذه النظرية لمشكلةٍ تتمركزُ حول أنهُ لا يوجد اتّفاق عام حول مسؤوليات الإعلام.
وظائف الإعلام في نظرية المسؤولية الإجتماعية:
- تقديم برامج التسلية للتَّرفيه عن الناس.
- خدمة النظام السياسي من خلال القيام بتزويد المعلومات المُتعلِّقة بالشؤون العامَّة ومناقشتها والتعليق عليها.
- خدمة النظام الاقتصادي بالتقريب بين المُنتج والمُستهلك وذلك عن طريق الإعلانات.
- تحقيق الاكتفاء الذاتي في النواحي المادية بهدف أنْ يكون الإعلام مُستقلاً غير خاضع للمصالح الخاصة.
- حماية حقوق الأفراد من خلال قيام الإعلام بوظيفة حارس البوابة والرقيب على الحكومة.
- إعلام الرأي العام وتنويرهِ بهدف تمكينهِ من حكم نفسهِ بنفسهِ.
حارس البوابة الإعلامية:
إنَّ المعلومات والحقائق التي تُنشر يومياً بواسطة وسائل الإعلام المختلفة سواء كانت مسموعة، أو مرئيَّة أو مكتوبه فإنَّها تمرُّ عبر قنوات الإعلام الذي يشترك في صنعه العشرات من الإعلاميين، منهم المُخبِر الصحفي الذي يقرِّر أنَّ حادثاً قد وقع في منطقة ما يستوجب علينا أن نخبر عنهُ وننشرهُ، حيث يجمع جميع المعلومات المُتعلّقة بالحادث ويرسلها إلى المحرِّر الصحفي الذي يقوم بدوره على إعداد المعلومات بصيغة إخبارية حسب الأصول، ومن ثم ترفع الى رئيس التحرير الذي تتجمَّع أمامه مجموعة كبيرة من الأخبار الأخرى، حيث يقرّر قراره النهائي في نشره أم لا.
وبذلك تكون قد مرّت تلك المعلومات عبر مجموعه من الأشخاص المسؤولين عن نشرها وإبرازها، وبذلك لا تنتقل هذه المعلومات عبثاً، وإنما وفقاً لمُخطَّط مدروس ومُنظَّم.
إنَّ المشكلة الأساسية التي تواجهه حارس البوابة هي الفيض الكبير من الأخبار والمعلومات التي ترد اليه من مصادر مختلفة، وايضاً بسبب الضغوط التي تفرضها طبيعة العمل فإنَّ عليهِ أن يختار من هذا الفيض مقداراً كافياً يتناسب والظائف والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها.