التغيرات التي دعت إلى ظهور العلاقات العامة:
كان الربع الأخير من القرن التاسع عشر فترة مخاض، حيث سبقت الميلاد الحقيقي للعلاقات العامة الحديثة، لذلك تعتبر العلاقات العامة ابنة شرعية للقرن العشرين، فقد كانت الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، التي نضجت خلال السنوات هذا القرن وهي التربة الصالحة والمناسبة التي أنبتت العلاقات العامة، كضرورة اجتماعية لتطوّر وتقدّم المجتمع الحديث بكل منظماته وتنظيماته.
ونُرجع الأصول الأولى للعلاقات العامة الحديثة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فقد حدثت بها تغيرات اجتماعية خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر، حيث بلغ من شدتها وعنفها. ووصفها البعض بفترة الاندفاع وراء التغير السريع، الذي شكَّل الملامح الأساسية للحياة الأمريكية خلال الفرن العشرين، ففي خلال تلك الفترة شهدت الولايات المتحدة الأمريكية تضاعف سكانها ونمو مدنها وتطور وسائل مواصلاتها، كذلك تقدم وسائل الاتصال.
وحكم هذه التغيرات وشكل العلاقات الاجتماعية الناتجة عنها، التعصب الشديد للمبادىء الرأسمالية الأمريكية التقليدية. وفي إطار هذه المبادىء لا يكون التداخل الحكومي مرغوباً في شؤون المنظمات بصفة عامة، حيث كان من الطبيعي أن تتوتر العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والجماعات والمنظمات، أيضاً أن يثور الرأي العام في مواجهة هذه التغيرات وآثارها والسياسات والأسس والمبادىء التي توجهها وتشكّلها.
وبعد أن عمقت تطورات وسائل الاتصال والمواصلات والإحساس بها؛ لأن الظلم لا يصنع الثورات، لكن عمق الإحساس بالظلم هو الذي يفجرها وهذا هو ما حدث بالفعل. ولقد أجمع كل المؤرخين للعلاقات العامة الحديثة على أن تلك التغيرات وآثارها والنتائج التي ترتبت عليها، هي التي شكَّلت المناخ الاجتماعي المناسب لظهورها.
فقد بدأت ثورة الرأي العام وشعر أصحاب المنظمات الاقتصادية بخطرها؛ ممّا دفعهم إلى التفكير في أسلوب للتعامل مع الجماهير لامتصاص غضبها، بطريقة لا تؤثر على الأسس والمبادئ بتصدع واضح، فكانت الأنشطة والممارسات التي أطلق عليها فيما بعد مصطلح العلاقات العامة. ويُلاحظ على أن نشأة العلاقات العامة بدأت كأنشطة عملية لمواجهة ضغط الرأي العام.
ولكن هذه الأنشطة والممارسات لم تحكمها أسس علمية ولم يجمعها تعريف أو مضمون، فكات العشوائية والسطحية صفة مميزة لها، حيث أن العلاقات العامة لم تنشأ في تلك الفترة كمهنة متخصصة وناضجة تقوم على علم منظم له مفهوم ومضمونه وتخصصه.
