أبرز فلاسفة الحضارة الروسية

اقرأ في هذا المقال



يطرح مفهوم الفلسفة الروسية مشكلة ثقافية تاريخية، لا يوجد إجماع حول الأعمال التي تشملها والمؤلفين الذين قدموا مساهمات حاسمة.

توماس ماساريك:

من بين أول من تعامل مع هذه القضية كان ماساريك – 1850-1937 وكان طالب عند Franz Brentano وأصبح لاحقًا أول رئيس لتشيكوسلوفاكيا المشكلة حديثًا، واعتبر ماساريك باتباعًا لقيادة الباحث الروسي الرائد إي.رادلوف – 1854-1928 -، أنّ المفكرين الروس لم يهتموا تاريخيًا بالقضايا المعرفية لصالح المناقشات الأخلاقية والسياسية.

أما بالنسبة لماساريك حتى أولئك الذين كانوا مدينين للتعاليم الأخلاقية لإيمانويل كانط – 1724-1804 -، بالكاد فهموا ويقدروا نقد ماساريك المعرفي الذي اعتبروه ذاتيًا بشكل أساسي، وصحيح أنّ ماساريك يعلق على أن العقل الروسي يميل أكثر إلى الميثولوجيا من الأوروبي الغربي، وهو الموقف الذي يمكن أن يقودنا إلى استنتاج أنه كان ينظر إلى العقل الروسي بطريقة ما على أنه مختلف بشكل فطري عن الآخرين، مع ذلك فهو يوضح أنّ الميول الروسية للقبول القاطع أو النفي التام لوجهة نظر تنبع على الأقل إلى حد كبير من الإيمان الأرثوذكسي.

كان من المألوف لدى تعاليم الكنيسة عند العقل الروسي على قبول الوحي العقائدي دون نقد، ولهذا السبب وضع ماساريك بالتأكيد بداية الفلسفة الروسية في موعد لا يتجاوز القرن التاسع عشر مع التأملات التاريخية الفلسفية لـP. Chaadaev- 1794-1856-، الذي لم يكن مفاجئًا أيضًا أن ألقى باللوم على العقيدة الأرثوذكسية في موقف البلاد في الشؤون العالمية.

لوسكي وزينكوفسكي:

كان هناك مفكرين ولا سيما من أصل روسي، قلقون مما اعتبروه تشويهًا ضمنيًا من قبل ماساريك لشخصيتهم الفكرية، الذين نفوا أن تكون الفلسفة الروسية عانت من الغياب الحقيقي للتحقيق المعرفي، وبالنسبة إلى ن. لوسكي – 1870-1965 – من المسلم به أنّ الفلاسفة الروس سعوا كقاعدة عامة إلى ربط تحقيقاتهم بغض النظر عن الاهتمام المحدد بالمشكلات الأخلاقية.

وهذا جنبًا إلى جنب مع وجهة النظر المعرفية السائدة القائلة بأنّ العوامل الخارجية يمكن معرفتها وبالتأكيد من خلال الإدراك الفوري أو الحدس فقد أعطت الفلسفة الروسية شكلاً متميزًا عن الكثير من الفلسفة الغربية الحديثة، ومع ذلك فإنّ الظهور المتأخر نسبيًا للفكر الفلسفي الروسي المستقل كان نتيجة – نير التتار – في العصور الوسطى والعزلة الثقافية اللاحقة لروسيا حتى انفتاح بطرس الأكبر على الغرب.

وحتى ذلك الحين ظل الفكر الروسي مثقلًا بالديون للتطورات في ألمانيا حتى ظهور السلافية في القرن التاسع عشر مع آي كيرييفسكي – 1806-1856 – وأ. خومياكوف – 1804-60 -.

بشكل أكثر تأكيدًا من لوسكي أنكر ف. زينكوفسكي – 1881-1962 – غياب التحقيق المعرفي في الفكر الروسي، في نظره رفضت الفلسفة الروسية الأسبقية الممنوحة على الأقل منذ كانط لنظرية المعرفة على القضايا الأخلاقية والأنطولوجية.

هناك وجهة نظر منتشرة وإن لم تكن بالإجماع بين الفلاسفة الروس وفقًا لزنكوفسكي هي الأنطولوجيا أي أنّ المعرفة تلعب دورًا ثانويًا في الشؤون الوجودية البشرية، ومع ذلك في حين أنّ العديد من الروس قد دافعوا تاريخيًا عن مثل هذه الأنطولوجيا، فإنّها ليست فريدة بأي حال من الأحوال لتلك الأمة.

ربما أكثر ما يميز الفلسفة الروسية بالنسبة إلى زينكوفسكي هو مركزية الإنسان أي الاهتمام بحالة الإنسان ومصير الإنسانية النهائي، ولهذا السبب فقد تم التعبير عن الفلسفة في روسيا تاريخيًا بعبارات تختلف بشكل ملحوظ عن تلك الموجودة في الغرب.

وعلاوة على ذلك مثل لوسكي رأى زينكوفسكي التطور المتأخر نسبيًا للفلسفة الروسية كنتيجة لعزلة الدولة والإفتتان اللاحق بأساليب التفكير الغربية حتى القرن التاسع عشر، وهكذا على الرغم من أن زينكوفسكي وضع Kireyevsky فقط على – عتبة – فلسفة روسية – ناضجة ومستقلة التي يُفهم على أنها نظام، اعتقد الأول أنّه من الممكن تتبع التحركات المستقلة الأولى إلى G. Skovoroda 1722-94، الذي يعد بالمعنى الدقيق للكلمة أنه كان أول فيلسوف روسي.

نتيجة لرفض أولوية نظرية المعرفة والنموذج الديكارتي للبحث المنهجي إلى حد كبير تم تضمين لوسكي – وزينكوفسكي أكثر – ضمن شخصيات – الفلسفة الروسية – التي بالكاد تكون وجهات نظرها مؤهلة لتضمينها في الأطروحات الغربية المعاصرة في تاريخ الفلسفة.

خلال الحقبة السوفيتية ناشد العلماء الروس المذهب الماركسي الذي يربط الفكر الفكري بالقاعدة الاجتماعية والاقتصادية لمفهومهم الواسع إلى حد ما عن الفلسفة، أي محاولة لحصر تاريخهم في ما يمكن اعتباره احترافًا اليوم في الغرب قوبلت ببساطة بالرفض باعتبارها برجوازية، وبهذه الطريقة تم إدراج شخصيات أدبية مثل دوستويفسكي وتولستوي بشكل روتيني في النصوص على الرغم من إدانتها بشكل روتيني بسبب عقليتها البرجوازية المفترضة.

الدراسات الغربية المكرسة لتاريخ الفلسفة الروسية قد قبلت إلى حد كبير منذ ظهورها بهذا القبول لفهم واسع للفلسفة، فعلى سبيل المثال اعترف ف. كوبليستون بأنّ الفلسفة لأسباب تاريخية في روسيا تميل إلى أن تكون مستنيرة من خلال التوجه الاجتماعي والسياسي.

يمكن النظر إلى مثل هذا الاعتذار عن دراسته التي امتدت على طول الكتاب على أنه خدمة ذاتية إلى حد ما، لأنّه يدرك أنّ الفلسفة كنظام نظري لم يزدهر أبدًا في روسيا، وبالمثل فإنّ أ. واليكي يخشى أن يؤدي عرض تاريخ الفلسفة الروسية من وجهة النظر التقنية الغربية المعاصرة إلى صورة فقيرة يسكنها مؤلفون غير أصليين تمامًا، من الواضح أنه لا يمكن للمرء أن يكتب تاريخًا لبعض الانضباط إذا كان هذا النظام يفتقر إلى المحتوى!

جوستاف شبت:


من بين أولئك الذين يبدو أنهم لا يخشون الاعتراف بالفقر التاريخي للفكر الفلسفي في روسيا، يبرز جوستاف شبيت – 1879-1937 – ليس فقط بسبب سعة الإطلاع التاريخية الواسعة ولكن أيضًا بسبب مساهماته الفلسفية الأصلية، فقد وصف شبيت بطريقة فيها نوع من التحدي تقريبًا بأنّ الحياة الفكرية لروسيا متجذرة في ما يسمى الجهل الأساسي.

وعلى عكس ماساريك لم ينظر شبيت إلى هذه الندرة على أنها نابعة من الإيمان الأرثوذكسي الروسي ولكن من العزلة اللغوية لبلاده التي افتقرت لغة البلغار المعتمدة إلى التقاليد الثقافية والفكرية، وبدون تراث يمكن من خلاله تقدير الأفكار، فتم تقييم المساعي الفكرية لفائدتها وحدها.

على الرغم من أنّ الحكومة لم ترَ أي فائدة عملية في ذلك إلّا أنّ الكنيسة وجدت في البداية أنّ الفلسفة مفيدة كسلاح لحماية مكانتها، فلم يمتد هذا التسامح إلى أبعد من ذلك، وبالتأكيد لم توافق السلطات الدينية على أي اختلاف أو إبداع مستقل.

ومع الإصلاحات الحكومية التي قام بها بطرس العظيم، رأت الدولة فائدة التعليم ودافعت عن تلك التخصصات التي تخدم وظيفة بيروقراطية واعتذارية فقط، فبعد الحملة العسكرية الناجحة ضد نابليون خاض العديد من الضباط الروس تجربتهم الأولى مع ثقافة أوروبا الغربية وعادوا إلى روسيا بأفكار ثورية أولية وجدت في وقت قصير نسبيًا تعبيرًا عنها في انتفاضة الديسمبريين الفاشلة عام 1825.

في نهاية ثلاثينيات القرن التاسع عشر ظهرت مجموعة جديدة هي – المثقفون العدميون -، والتي بشرت بالتسامح مع الأشكال الثقافية بما في ذلك الفلسفة، ولكن فقط بقدر ما كانت تخدم الشعب، وكان مصير الفلسفة في روسيا هو أنّه لم يُنظر إليها عمليًا على أنّها أي شيء سوى أداة أو سلاح وكان عليها أن تثبت بإستمرار هذه المنفعة خوفًا من فقدان شرعيتها، وهنا يخلص شبيت إلى أنّ الفلسفة كمعرفة، باعتبارها ذات قيمة في حد ذاتها لم تُمنح أبدًا الفرصة المطلوبة في الحضارة الروسية.


شارك المقالة: