أثر الحياة الاجتماعية في ظهور مجالس الخمر في الشعر الأموي

اقرأ في هذا المقال


تعد هذه المجالس في العصر الأموي من أشكال الحياة لديهم، وتعد دليل على تفكير الإنسان وقلقه من حقائق القدر التي يتأمل فيها ويحاول تفسيرها، فيتجه إلى تخفيف هذا التوتر والهروب إلى مجالس الخمر، وكان أغلب الشعر يتولد من هذه المجالس التي كانت تشحذ قرائح الشعراء وتصور لهم الأشياء في أجمل صورها.

مجالس الخمر في الشعر الأموي 

عمل الخلفاء الأمويين على تطور الشعر وتشجيعه وتشجيع أهله وجعل منهم وسيلة لخدمة مصالحهم السياسية ومقاليد الحكم، كما أشعلوا العصبية القبلية بين مختلف القبائل والشعراء حتى يلهون بأنفسهم ويتركون أمور السياسية والحكم.

وعمد الخلفاء إلى التهاون بأمور الدين وتوجه بعض خلفائهم إلى اللهو والسمر والشرب والطرب والغناء مثل يزيد بن معاوية والوليد بن يزيد وغيرهم من الولاة، وكل هذه الأمور أدت إلى انتشار مجالس الخمر في العهد الأموي، غير أن العديد من الشعراء ظلوا متمسكين بقواعد الإسلام والتزم بها مثل الشاعر الأموي جرير، وكان يرتاد هذه المجالس واتخذها وسيلة من أجل هجاء الأخطل.

وعجّت مجالس الخمر في ذلك الزمن بالشعر وتمكن بعض الشعراء من إثبات وجودهم في هذه المجالس أمثال الأسدي والأخطل و الأقيشر والفرزدق وجرير وغيرهم الكثير، ومن أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار مجالس الخمر هو التحضر في هذا العهد، وكثر الهموم والأحلام وعدم قدرة الناس على تحقيق غاياتهم مما دفعهم إلى ارتياد هذه المجالس والانتقال إلى عالم يعج بالملذات والأحلام وتنسيهم الهموم.

وكان لسياسة الحكم التي نهجها الخلفاء في هذا العصر دور في انتشار هذه المجالس حيث منحتهم سياسة الخلفاء حرية في النمط الاجتماعي، وبذلك يتم إشغال الناس عن شؤون الدولة والحكم، فَأشغلتهم بمظاهر الحياة و أغرقتهم بالملذات وأبرزها مجالس الخمر، كما كان التهاون من قبل الخلفاء بالأحكام الإسلامية أثر في انتشار مجالس الخمر، وكل هذا من أجل التفرد بالحكم فعينوا أنفسهم مسؤولين عن الشرع ليعملوا على فصل العقيدة الإسلامية عن شؤون الدولة.

أثر الحياة الاجتماعية في ظهور مجالس الخمر في الشعر الأموي

اتخذ الخلفاء من شعر أماكن الخمر وسيلة وأداة تخدم سياستهم وحكمهم تهاونوا بأمور الدينوعمد بعضهم إلى اللهو والشرب والطرب، وتبعهم في ذلك ولاة عهدهم كذلك الكثير من الناس الذين لقوا ساحة واسعة من الحرية والعديد من ملذات ومُليهات الحياة، فعمدوا إلى التردد على أماكن الخمر، وتعلق العديد من الشعراء بتطوير هذه المجالس وكيف تجاوزوا العقائد الإسلامية التي حرمت الخمر ومجالسه حيث فرضت العقوبات على شاربها، ومن الأمور الاجتماعية التي ساعدت مجالس الخمر على الانتشار:

1- سياسة الخلفاء: عمد الخلفاء في سياستهم إلى تشجيع مجالس الخمر واللهو والغناء، وكل ذلك من أجل إشغال الناس عن سياسة حكمهم، وإبعادهم عن أمور الدولة، وكان منهم من يرتاد هذه المجالس ويشربوا الخمر في قصورهم التي كانت تعج بمظاهر الرخاء والترف، أمثال يزيد بن معاوية، وأيضاً الوليد بن يزيد.

على الرغم من سياسة بني أمية ورغبتها في جعل مجالس الخمر طريقة تلهي بها الناس عن مقاليد حكمهم، حيث كان لها دور ازدواجي حيث استطاعت أن تبعد الناس وتلهيهم عن شؤون الدولة إلا أنها أيقظته لدى الناس الجانب الميت في قول الحق، وأوضحت السياسة الأموية مع عامة الشعب، حيث تحولت السجون عن غاية الإصلاح وأصبحت تعج وتمتلئ بالمعارضين للحكم والسلطة الأموية.

وتحول مجلس الخلفاء في هذا العصر إلى جبروت وتسلط من قبل الخليفة، وصدق أهل الشعر وواقعيتها حيث كانوا عبارة عن صور صادقة لسياسة الحكم الأموي آنذاك، ومثال على ذلك قول الخليفة عن أهمية النديم في المجلس:

وإن نديمي غير شك مكرمٌ

لدي وعندي من هواه ما ارتضى

فأصبح الخلفاء يتحكمون بِالشعراء كذلك يتحكمون بِمصيرهم بعد إدمَانهم وتعلقهم الشديد بالخمر ليتخذها وسيلة لهدم قدراتهم، وعزلهم عن الناس حيث يقول:

ولستُ له في فضلة الكأس قائلًا

لأ صرعة سُكر تحسُّ وقد أبى

ولكن أُحييه وأكرم وجهًهُ

ويصرفها عنه وأسقيه ما أشتهي

وليس إذا ما نام عندي بِمُوقظٍ

ولا ساعٍ يقظان شيئًا من الأذى

2- التساهل في بعض الأحكام الدينية: الدين الإسلامي دين مجتمع يتجه للإنسان بكونه شخص مرتبط بالمجتمع، فهو النور الذي من خلاله يهتدي الإنسان والطريقة الناجحة من أجل تثبيت إنسانية الإنسان، العدل أساسه، وذلك نجد أن العقائد الإسلامية في بداية الإسلام كانت هي الأساس المتبع في تنظيم أمور الدولة والناس.

في العهد الأموي لم تَرُق هذه العقائد لإخفاء وخصوصًا السفيانيين ولم تتناسب مع ما يخططون له من تفرد بالحكم، وإشغال الناس عنها فَتهاونوا كثيرًا في أمور الشرع من أجل رغباتهم وتثبيت دعائم حكمهم مما دفع الناس إلى الغرق بملذات الحياة من خمر وغناء وغيره.

ولكن هناك العديد من المجالس الأموية التي تنبهت إلى هذه الغاية، ومنها مجلس الأقيشر الذي لم يتردد في كشف هذه الغاية وما حلَّ بالعقائد الإسلامية من استهتار وتهاون حيث يقول:

رُبَّ ندمانٍ كريم ماجدٍ

سيد الجدين من فرعي مُضر

قلت: مَم صلّ، فصلَّى قاعدًا

يتغشاه سما دير السكر

قَرن الظهُّر من العصر كما

تُقرن الحقَّةُ بالحق الذَّكر

3- المرأة: منح الإسلام للمرأة حقوق وحريات وسمح لها المشاركة في أمور الحياة المختلفة، وحثها للانخراط بالعمل لإثبات نفسها، وإبراز عزيمتها، فظهرت المرأة في الإسلام بأبهى الصور الكريمة.

ومن منطلق أهمية المرأة ومشاركتها في الحياة الاجتماعية في العصر الأموي وخصوصًا في حياة الشاعر، حيث جعلها أهم الأسباب التي دفعته إلى ارتياد مجالس الخمر ووصفها والحديث عنها في المجلس، وتحولها إلى طريقة للمتعة والتسلية واللهو.

كما انتشرت القينات غير عربيات من حبشيات وبربريات وغيرهن في العصر الأموي، وكان يتهافت الناس على شرائها بأسعار باهظة، ومنهن من قدمت الهدايا للخلفاء والولاة، ومن الشعراء الذين تحدثوا عن حال المرأة في العهد الأموي الأقيشر حيث يقول:

جريت مع الصبا طلق العتيق

وهان عليَّ مأثور الفُسُوق

وجدتُ ألذَّ عاريةِ الليالي

قِرانَ النَّغم بالوتر الخفوق

كما عمد إلى إبراز صورة المرأة في مجالس الخمر لدى الوليد بن زيد والتي صورها بأنها منقادة ضحية مجتمع مشغول بأمور الدنيا حيث يقول:

أُشهدُ الله والملائكة الأب

رار العابدين أهل الصلاح

أنني أشتهي السماع وشُرب

الكأس والعض في الخدود والمِلاح

والنديم الكريم والخادم الفا

ره يسعى عليَّ بالأقداح

ظريف الحديث والكاعب الطلة

تختال في سُمُوطِ الوشاح

أما بخصوص أخلاق المرأة، إن الترف الذي عمَّ على قد كان له دور في فساد أخلاقها، وانتشرت هذه الظاهرة أيضًا عند عامة الناس مما ظهرت فقدان الثقة بالمرأة، فأصبحت تخاف على مصيرها فتوجهت إلى تثبيت وجودها بعيدًا عن الإخلاص، وقال جرجي زيدان عن ذلك قائلاً:

“بدأت المرأة بتبديل طباعها أيام الأمويين، لأن العفة والغيرة أصابهما، في العصر الأموي صدمة قوية بتكاثر الجواري والغلمان، وانغماس بعض الخلفاء في ترف والقصف، وانتشار الغناء والسكر فتجرأ الشعراء على التشبيب، والغزل وتكاثر المخنثين في المدن، وَتوسطوا بين الرجال والنساء بالباطل، فأخذوا الفساد يفشو بين الناس، وضعفت غيرة الرجال، وقلة عفة النساء.”

وفي النهاية نستنتج أن مجالس الخمر انتشرت في العصر الأموي بسبب عدة دوافع سياسية واجتماعية، وَلجأ الخلفاء الأمويين إلى إقامة هذه المجالس وتشجيع الناس على ارتيادها؛ لتكون وسيلة لإشغال الناس عن مقاليد الحكم وأمور الدولة آنذاك.


شارك المقالة: