تُعتبر أمثال العرب من أكثر أساليب التعبير ذيوعًا وانتشارًا، ولعلها من أقدم الأساليب التي استند العرب عليها في توضيح المقصود، وتشبيه المعنى بآخر أكثر وضوحًا وتناسبًا، ويعود تاريخ هذا الأسلوب في التعبير إلى العصورِ القديمة، وقد اعتنى بالأمثال بعض الأُدباء عناية واضحة جليّة، فاستعملوا الكثير من الأمثال في أدبهم من شعر ونثر وغير ذلك، وعني بعضهم بجمعها في كتب يستعان بها على فهمها وتفسيرها ومعرفة القصص التي جرت عند إطلاقها على ألسنة الناس، ومن الأمثال التي تداولها العر ب مثل يطلق للإشارة إلى سوء صنيع أحدهم، وهو المثل الذي يوصف به رجل بأنه: أخرق من حمامة.
فيم يضرب مثل: “أخرق من حمامة”؟
مثل “أخرق من حمامة” يُضرب تعبيرًا عن شخص ما شديد السذاجة، إذ أنه لا يجيد التصرف، وهو بعيد عن الذكاء بشكل كبير، فالحمامة تبني عشها على أغصان الشّجر الهزيل المتفرع، مما يجعل العش عُرضة للرّياحِ، فيقعُ العشُّ وتخسرُ الحمامة فراخها، وكثيرٌ من بيض الحمام يفنى لهذا السبب، فلا هي تبنيه في موضع بعيد عن الريح، ولا تدرك ماذا تفعل بصغارِها، فأطلق عليها العرب صفة الخرق وهو الحمق، وبالغوا بوصف من يشبهها في الحمق بأنه أخرق من حمامة، أي أكثر حمقًا، وأسوأ في التّصرف والعمل، وفي ذلك المعنى، قال عبيد بن الأبرص ينال من قوم بهجائه:
“عَيُّوا بأمرِهمُ كما عَيَّتْ بيضَتَها الحمامةْ جعَلَتْ لها عودَينِ من نَشَمٍ وآخَرَ من ثُمامةْ “.
النشم الوارد ذكره في شعر عبيد الأبرص، هو شجر من فصيلة الزيزفونيات، له أزهار، أوراقه عريضة، أما الثمامة فهو عشب فروعه مزدحمة متجمّعة، وفي هذا الشعر وصف القوم بأنهم في حيرة من أمرهم، فهم قد عجزوا عن مداراة أمر بسيط كما تصيب الحيرة حمامة، التي تتخذ عشًّا شديد الوهن والضعف؛ لتحمي به بيضتها.
مثل آخر بصيغة أخرق من:
في أمثال العرب يُقال أيضًا: “أخرق من ناكثة غزلها”، ويُروى كذلك: “من ناقضة غزلها”، ويُروى أنها امرأة كانت من قريش، يقال لها: “أم ربطة بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرة”، وهي ذاتها التي قيل فيها: “خرقاء وجدت صوفًا”، وهي نفسها التي قال الله عزّ وجلّ فيها: “وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا”، «”سورة النحل: الآية – 92″، وقد قال المفسرون: كانت هذه المرأة تغزل وتأمر جواريها أن يغزلن ثم تنقض وتأمرهن أن ينقضن ما فتلن، فضُرب بها المثل في الخرق.