أشأم من طويس

اقرأ في هذا المقال


كل شعوب العالم التي سطرت صفحات التاريخ، تمتلك من الموروث الثقافيّ ما يميزها عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “أشأم من طويس”.

يزخر التراث العربي الأصيل بالحكم والأمثال، فكثير من الأبيات الشعرية راحت أمثالًا تتداولها الألسن، وأكثر هذه الأمثال قد انطلقت من حوادث حياتية عايشها أصحابها، ولربما قصص الأمثال الأصلية قد غفل عنها الناس ونسوها، غير أن المثل يبقى شاهدًا وحاضرًا في كثير من المواقف المشابهة، لأخذ العظة والعبرة، وأمّا مثل: “أشأم من طويس”، فهو مثل عربي قديم، سنتعرف في السطور التالية إلى صاحبه “طويس”، وقصته.

من هو طويس؟

ليس هذا هو  المثل الوحيد الذي يشير إلى ذات الشخص “طويس”، فهناك مثل آخر، هو: “أخنث من طويس” ، وطويس هو: الطاووس الطائر المعروف، والكلمة هي تصغير بعد حذف الزيادات، وقد كان طويس من مخنثي المدينة وكان يُعرف بطاووس، فما إن تخنث حتى أطلق الناس عليه اسم طويس تحقيرًا وتقليلًا من شأنه، وأمّا كنيته فأبو عبد النعيم، وهو أول من غنّى في المدينة، ونقر الدف المربع، وكان قد أخذ طرائق الغناء عن سبايا فارس، وذلك أن عمر بن الخطاب رضيّ الله عنه، كان قد جعل لهم في كل شهر يومين يستريحون فيهما من المهن، فكان طويس يتردد عليهم حتى أتقن طرائقهم.

سبب ارتباط طويس بالشؤم:

في إشارة سريعة إلى مثل: “أشأم من طويس”، أنّ طويس كان أليفًا خليعًا يجعل الثكلى الحرى تضحك، ومن شدة مجونه رُوي عنه أنّه كان يقول: “يا أهل المدينة، مادمت بين ظهرانيكم فتوقعوا أن يخرج الرجال والدابة، وإن مت فأنتم آمنون، فتدبروا ما أقول، إن أمي كانت تمشي بين نساء الأنصار بالنمائم، ثم ولدتني في الليلة التي مات فيها رسول الله صل الله عليه وسلم، وفطمتني في اليوم الذي مات فيه أبو بكر الصديق، وبلغت الحلم في اليوم الذي قتل فيه عمر بن الخطاب، وتزوجت في اليوم الذي قتل فيه عثمان بن عفان، وولد لي في اليوم الذي قتل فيه علي كرم الله وجهه، فمن مثلي؟“، وكلامه الآنف ذكره إقرار منه بشؤمه، والمثل يُضرب في الأشخاص الذين يجلبون المصائب والويلات بأفعالهم أو أقوالهم، أو قد يرتبط وجودهم بالنحس والبؤس.

موقف طويس مع سعيد بن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت:

هناك موقف وقع مع طويس، ذلك أن الخليفة عمر بن عبدالعزيز  قد خرج قاصدًا الحج في يوم من الأيام، وهو يومذاك والٍ على المدينة، وكان في الذين خرجوا أيضًا: “بكر بن إسماعيل الأنصاري”، ومعه “سعيد بن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت”، فطلب إليهما طويس أن ينزلا ببيته حينما مرّا عليه وهما عائدين، فقال له بكر بن إسماعيل: سُق البعير إلى منزلك، بينما سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، اعترض قائلًا: “أتنزل على هذا المخنث؟”

فما كان من بكر إلّا أن قال: “ما هي إلّا ساعة نجلسها ثم نغدو، ووقتذاك تحمّل طويس كلام سعيد بن عبد الرحمن، ولمّا بلغا بيته، وجداه نظيفًا مرتبًا، وقام بتقديم أشهى الطعام والفاكهة لهما، وبينما هم جلوس سأل بكر طويسًا عن غنائه، فما كان منه إلّا أن أخرج دفه، وغنّى لهم الأبيات التالية:

“يا خليلي نابني سُهـدي لـم تنم عيني ولم تكدِ
كيف تلحوني على رجـلٍ مـــؤنسٍ تلتذّهُ كبدي
مثل ضوءِ البدر صورتـهُ ليس بالزُمَّيْلةِ النكِــدِ
مـــن بني آل المغيرة لا خاملٍ نَكْسٍ ولا جَحْدِ
نظرت عيني فلا نظرت بعده عيني إلى أحَــــدِ”.

ما إن أنهى طويس غناءه، حتى التفت إلى سعيد بن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت، وسأله فيما إذا كان يعرف من قائل تلك الأبيات، ثم إنّه تابع حديثه قائلًا : قد قالته عمتك خولة ابنة ثابت في مناجاة عمارة بن الوليد بن المغيرة، فأسند بن عبدالرحمن رأسه إلى صدره وأطرق صامتًا، فقال له أبو بكر: لو لم تُسمعه ما أسمعته ما أسمعك ما سمعته، ولمّا بلغت القصة عمر بن عبدالعزيز: قال واحدة بواحدة والبادئ أظلم.


شارك المقالة: