نبذة عن ابن الرومي:
ابن الرومي هو علي بن عباس ويُكنى بأبو الحسن، من شعراء العصر العباسي، وكانت أمه من أصل فارسي وأبوه من أصل رومي، كان أبوه صديقاً للعلماء والأدباء. عاصر ابن الرومي تسعة من الخلفاء العباسيين ومنهم: المعتصم والواثق والمتوكل والمعتز والمهدي والمعتمد والمعتضد، ويُعدّ ابن الرومي من شعراء المولدين.
أشعار ابن الرومي في الرثاء:
يُعد الرثاء عند ابن الرومي مكتسب، حيث كان يرثي أولاده وأمه وأخته، كما عرف عنه انّه طويل النفس وأن شعره يمتاز بالتصوير والوصف الدقيق وأطلق عليه مسميات كثيره ومنها: شاعر المزاج المتقلب وشاعر التشائم وكان في شعره شديد التشائم.
وقد قال في رثاء ابنه الأوسط محمد أجمل القصائد وأعذبها وهي (بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي) وكانت مناسبة هذه القصيدة أنّه كتبها من شدة صدمته بفقيد ولده، كما أنها كانت تعبر عن المأساة والحزن والأسى وقد فاضت عيناه دموعاً وأسفاً وحسرةً على ابنه وهذه القصيدة فيها كلمات مؤثرة التعبير عن أحزانه التي لا تنتهي.
حيث كان ابنه محمد يمثل له السعادة وهذه القصيدة تُعبر عن افتقاده للحياة وعجزه عن الفرح، ويقول في القصيدة أن ابنه كان يعينه على مشقات الحياة، كما كان الشاعر يكسب الرزق من أولاده، إلاّ أنّه ونتيجةً لفقده ابنه فقد الخير الذي كان يعم في الشاعر.
قال ابن الرومي يرثي ابنه محمد:
بكاؤكُما يشْفي وإن كان لا يُجْدي
فجُودا فقد أوْدَى نَظيركُمُا عندي
بُنَيَّ الذي أهْدَتْهُ كَفَّايَ للثَّرَى
فَيَا عِزَّةَ المُهْدَى ويا حَسْرة المُهدِي
ألا قاتَل اللَّهُ المنايا ورَمْيَها
من القَوْمِ حَبَّات القُلوب على عَمْدِ
تَوَخَّى حِمَامُ الموتِ أوْسَطَ صبْيَتي
فلله كيفَ اخْتار وَاسطَةَ العِقْدِ
على حينََ شمْتُ الخيْرَ من لَمَحَاتِهِ
وآنَسْتُ من أفْعاله آيةَ الرُّشدِ
طَوَاهُ الرَّدَى عنِّي فأضحَى مَزَارُهُ
بعيداً على قُرْب قريباً على بُعْدِ
لقد أنْجَزَتْ فيه المنايا وعيدَها
وأخْلَفَتِ الآمالُ ما كان من وعْدِ
لقَد قلَّ بين المهْد واللَّحْد لُبْثُهُ
فلم ينْسَ عهْدَ المهْد إذ ضُمَّ في اللَّحْدِ
تَنَغَّصَ قَبْلَ الرِّيِّ ماءُ حَياتِهِ
وفُجِّعَ منْه بالعُذُوبة والبَرْدِ
ألَحَّ عليه النَّزْفُ حتَّى أحالَهُ
إلى صُفْرَة الجاديِّ عن حُمْرَةِ الوَرْدِ
وظلَّ على الأيْدي تَساقط نَفْسُه
ويذوِي كما يذوي القَضِيبُ من الرَّنْدِ
يَالكِ من نَفْس تَسَاقَط أنْفُساً
تساقط درٍّ من نِظَام بلا عقدِ
عجبتُ لقلبي كيف لم ينفَطِرْ لهُ
ولوْ أنَّهُ أقْسى من الحجر الصَّلدِ
بودِّي أني كنتُ قُدِّمْتُ قبْلَهُ
وأن المنايا دُونَهُ صَمَدَتْ صَمْدِي
ولكنَّ ربِّي شاءَ غيرَ مشيئتي
وللرَّبِّ إمْضَاءُ المشيئةِ لا العَبْدِ
فما فيهما لي سَلْوَةٌ بَلْ حَزَازَةٌ
يَهِيجانِها دُونِي وأَشْقَى بها وحْدي
وأنتَ وإن أُفْردْتَ في دار وَحْشَةٍ
فإني بدار الأنْسِ في وحْشة الفَرْدِ
أودُّ إذا ما الموتُ أوْفَدَ مَعْشَراً
إلى عَسْكَر الأمْواتِ أنِّي من الوفْدِ
ومن كانَ يَسْتهدِي حَبِيباً هَدِيَّةً
فَطَيْفُ خيَال منك في النوم أسْتَهدي
عليك سلامُ الله مني تحيةً
ومنْ كلِّ غيْثٍ صادِقِ البرْقِ والرَّعْدِ
وايضاً عرف عنه شاعر الطبيعة في الأدب العربي حيث كتب أجمل القصائد في رثاء أهل البصرة، حيث وصف في بداية القصيدة عن حالة الشاعر في البصرة، وايضاً في القصيدة ذم محمد بن علي على خيانتة، وايضا مدح البصرة ووصف ما حل فيها من مصائب.
قصيدة رثاء أهل البصرة:
ذادَ عن مُقْلِتي لذيذَ المنامِ
شُغلها عنهُ بالدموعِ السجامِ
أيُّ نومِ من بعد ما حل بالبصْ
رَة ِ من تلكمُ الهناتِ العظام
يُّ نومِ من بعد ما انتهك الزَّ
نْ جُ جهارا محارم الإسلام
إنَّ هذا من الأمورِ لأمْرٌ
كاد أن لا يقومَ في الأوهام
لرأينا مُسْتَيْقظين أموراً
حسبُنا أن تكونَ رُؤيا منام
كم أغصُّوا من شاربٍ بشراب
كم أغصُّوا من طاعمِ بطعام
كم ضنينِ بنفسهِ رامَ مَنْجًى
فتلقّوا جبينه بالحسام
كم أخٍ قد رأى أخاهُ صريعاً
تِربَ الخَدِّ بينَ صَرْعى كرامِ
كم أبٍ قد رأى عزيزَ بنيه
وهْوَ يُعلَى بصارمِ صمصام
كم مُفدًّى في أهلهِ أسْلمُوه
حين لم يحْمِه هنالك حامي
إن قعدتُمْ عن اللعينِ فأنْتُمْ
شركاءُ اللَّعينِ في الآثامِ
بادروهُ قبلَ الروَّية ِ بالعَزْ
م وقبل الإسراج بالإلجام
من غدا سرجُهُ على ظهرِ طِرف
فحرامٌ عليه شدُّ الحزام
لا تطيلوا المقام عن جنَّة الخل
دِ فأنتمْ في غير دار مُقام
فاشتروا الباقيات بالعرض الأد نى
وبِيعوا انقطاعه بالدَّوام