شعر البحتري:
البحتري هو أشهر شعراء العصر العباسي، كان في شعره يصف الخيال والفناء والجلال، كتب شعره في الطبيعة والعمران، كما كان أسلوبه ما بين الحضارة والبداوة، يمتاز شعر البحتري بالمدح وتصوير الأخلاق والإبداع في الوصف، كما وصف القصور ووصف بركة المتوكل، كما أن قصائده لا تخلو من الغزل.
أشعار البحتري في الوصف:
فقد قال في وصف بركة قصر الجعفري الذي قام في بناه المتوكل بالله، حيث تُعد هذه القصيده من أجمل القصائد في الوصف، قائلاً:
يا مَنْ رَأى البِرْكَةَ الحَسْنَاءَ رُؤيَتُها،
والآنِسَاتِ، إذا لاحَتْ مَغَانِيها
بحَسْبِهَا أنّها، في فَضْلِ رُتْبَتِها،
تُعَدُّ وَاحِدَةً والبَحْرُ ثَانِيها
ما بَالُ دِجْلَةَ كالغَيْرَى تُنَافِسُها
في الحُسْنِ طَوْراً وأطْوَاراً تُباهِيهَا
أمَا رَأتْ كالىءَ الإسلامِ يَكْلأُهَا
مِنْ أنْ تُعَابَ، وَبَاني المَجدِ يَبْنيهَا
كَأنّ جِنّ سُلَيْمَانَ الذينَ وَلُوا
إبْداعَهَا، فأدَقّوا في مَعَانِيهَا
فَلَوْ تَمُرُّ بهَا بَلْقِيسُ عَنْ عَرَضٍ
قالَتْ هيَ الصّرْحُ تَمثيلاً وَتَشبيهَا
تَنْحَطُّ فيها وُفُودُ المَاءِ مُعْجِلَةً،
كالخَيلِ خَارِجَةً من حَبْلِ مُجرِيهَا
وأيضاً قال في إيوان كسرى:
صُنْتُ نَفْسِي عَمّا يُدَنّس نفسي،
وَتَرَفّعتُ عن جَدا كلّ جِبْسِ
وَتَماسَكْتُ حَينُ زَعزَعني الدّهْـ
ـرُ التماساً منهُ لتَعسِي، وَنُكسي
بُلَغٌ منْ صُبابَةِ العَيشِ عندِي،
طَفّفَتْها الأيّامُ تَطفيفَ بَخْسِ
وَبَعيدٌ مَا بَينَ وَارِدِ رِفْهٍ،
عَلَلٍ شُرْبُهُ، وَوَارِدِ خِمْسِ
وَكَأنّ الزّمَانَ أصْبَحَ مَحْمُو
لاً هَوَاهُ معَ الأخَسّ الأخَسّ
وَاشترَائي العرَاقَ خِطّةَ غَبْنٍ،
بَعدَ بَيعي الشّآمَ بَيعةَ وَكْسِ
لا تَرُزْني مُزَاوِلاً لاخْتبَارِي،
بعد هذي البَلوَى، فتُنكرَ مَسّي
وَقَديماً عَهدْتَني ذا هَنَاتٍ،
آبياتٍ، على الدّنياتِ، شُمْسِ
وَلَقَدْ رَابَني نُبُوُّ ابنِ عَمّي،
بَعد لينٍ من جانبَيهِ، وأُنْسِ
وإذا ما جُفيتُ كنتُ جديَرّاً
أنْ أُرَى غيرَ مُصْبحٍ حَيثُ أُمسِي
وَكأنّ القِيَانَ، وَسْطَ المَقَا صِي
رِ، يُرَجّعنَ بينَ حُوٍّ وَلُعسِ
وَكَأنّ اللّقَاءَ أوّلُ مِنْ أمْـ
ـسِ، وَوَشْكَ الفرَاقِ أوّلُ أمْسِ
وَكَأنّ الذي يُرِيدُ اتّبَاعاً
طامعٌ في لُحوقهمْ صُبحَ خمسِ
عَمَرَتْ للسّرُورِ دَهْراً، فصَارَتْ
للتّعَزّي رِبَاعُهُمْ، وَالتّأسّي
فَلَهَا أنْ أُعِينَهَا بدُمُوعٍ،
مُوقَفَاتٍ عَلى الصَّبَابَةِ، حُبْسِ
ذاكَ عندي وَلَيستِ الدّارُ دارِي،
باقترَابٍ منها، ولا الجنسُ جنسِي
غَيرَ نُعْمَى لأهْلِهَا عنْدَ أهْلِي،
غَرَسُوا منْ زَكَائِها خيرَ غَرْسِ
أيّدُو مُلْكَنَا، وَشَدّوا قُوَاهُ
بكُماةٍ، تحتَ السّنَوّرِ، حُمسِ
وأعَانُوا عَلى كتَائِبِ أرْيَا
طَ بطَعنٍ على النّحورِ، وَدَعْسِ
وأرَانِي، منْ بَعدُ، أكْلَفُ بالأشْـ
ـرافِ طُرّاً منْ كلّ سِنْخٍ وَإسّ
وقد نظم قصيدة من البحر الطويل وصف فيها الذئب، قائلاً:
سَلامٌ عَلَيْكُمْ، لا وَفَاءٌ وَلاَ عَهْدُ،
أما لَكُمُ من هَجرِ أحبابكُمْ بُدُّ
أأحبَابَنا قَدْ أنجَزَ البَينُ وَعْدَهُ
وَشيكاً، وَلمْ يُنْجَزْ لنَا منكُمُ وَعْدُ
أأطلالَ دارِ العَامرِيّةِ باللّوَى،
سَقَتْ رَبعَكِ الأنوَاءُ، ما فعلَتْ هندُ؟
أدَارَ اللّوَى بَينَ الصريمَةِ والحمَى،
أمَا للهّوَى، إلاّ رَسيسُ الجَوَى قَصْدُ
بنَفْسِيَ مَنْ عَذّبْتُ نَفسِي بحُبّهِ،
وإنْ لمْ يكُنْ منهُ وِصَالٌ، وَلاَ وِدّ
ذَرِينيَ من ضَرْبِ القِداحِ على السُّرَى،
فعَزْميَ لا يَثنيهِ نَحسٌ، ولا سَعدُ
سأحملُ نَفْسِي عندَ كلّ مُلمّةٍ
على مثلِ حدّ السّيفِ أخلَصَهُ الهندُ
ليَعْلَمَ مَنْ هَابَ السُّرى خَشيةَ الرّدى
بأنّ قَضَاءَ الله لَيسَ لَهُ رَدّ
فإنْ عشتُ مَحموداً فمثلي بغَى الغنى
ليَكسِبَ مالاً، أو يُنَثَّ لَهُ حَمْدُ
وإنْ مُتُّ لمْ أظفَرْ، فلَيسَ على امرِىءٍ
غَدا طالباً، إلاّ تَقَصّيهِ، والجُهْدُ