تتفرد كل أمة من الأمم بإرثها الثقافي الذي تملكه، والذي يصوّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي سنتناوله لاحقًا، هو: “أعزّ من كليب”.
فيم يضرب مثل “أعزّ من كليب وائل”؟
مثل “أعز من كليب وائل” من الأمثال العربية المشهورة، التي تُضرب في الشخص الذي يصل إلى درجة كبيرة من العزة، والاعتداد بالنفس، والسيادة والجاه.
قصة مثل “أعزّ من كليب وائل”:
أما قصة مثل “أعز من كليب وائل”، فيُحكى أن “كليبًا بن ربيعة” كان قد عزّ وساد في ربيعة، فبغى وتجاوز الحدود في البغي، وقد كان هو من ينزلهم منازلهم ويرحلّهم، ولا ينزلون ولا يرحلون إلا بأمره، فبلغ من عزه وبغيه أنه اتّخذ جرو كلب، فكان إذا نزل منزلًا به كلأ قذف ذلك الجرو فيه فيعوي، فلا يرعى أحد ذلك الكلأ إلا بإذنه، وكان يفعل هذا بحياض الماء، فلا يردها أحد إلا بإذنه أو من آذن بحرب، فضرب به المثل في العز، فقيل: “أعز من كليب وائل”، وكان يحمي الصيد، ويُقال إنه رأى في حماه قبّرة، وقد بنت عشًّا ووضعت بيضها، فتمثل قول طرفة:
“يا لَكِ مِنْ قُبَّرةٍ بمَعْمَرِ خلا لكِ الجَوُّ فبِيضي واصفِرِي
قد رفع الفخ فماذا تحذري ونَقِّري ما شِئتِ أن تُنَقِّري
قد ذهب الصياد عنك فأبشري لا بد يومًا أن تصادي فاصبري”.
وممّا يروى أن ناقة البسوس قد دخلت أرض كليب دون إذن منه، وقامت بتخريب عُش القبّرة، فما كان منه إلا أن رماها بسهم فأصاب ذراعها فأدماها، وكان هذا السبب في مقتله.
كليب وائل التغلبي هو ملك العرب في الجاهلية، وهو لقب لرجل كان يُعتبر من أقوى الرجال في ذلك الزمان، وهو كذلك أعز رجل عرفته العرب، ويُضرب به المثل في العزة “أعز من كليب وائل”، وهو “كلـيب هو وائـل بن ربيعة بن الحارث بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب التغلبي الوائلي بني جشم”، من تغلب (440 م – 494 م) حسب الكتب التاريخية وهو شقيق المهلهل بن ربيعة، وأول من ملك قومه تغلب وبكر أبناء وائل وبعضا من قبائل ربيعة من العدنانيين، وقد جعل للعرب المستعربة عدنان جزءًا في جزيرة العرب مع قحطان بعد سنين طويلة من السيطرة القحطانية، وقد استطاع أحد ملوك كندة وهو الحارث بن عمرو بن حجر الكندي إعادة السيطرة القحطانية.