لكل شعب من الشعوب على كوكب الأرض موروثه الثقافيّ الخاص، والذي بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر.
الكذب بتصرف:
انتشر الكذب بين الناس حتى أنه أصبح ظاهرة من بين منظومة القيم المتردية التي تعاني منها المجتمعات، لدرجة أن بعض البشر بات يرى موضوع الكذب مستساغًا وكأنه أمر عادي، وبالتأكيد هذا أمر غاية في الخطورة؛ ذلك أنه ينذر بمستقبل غير سوي لجيل بأكمله، وللأجيال القادمة على السواء، وفيما يلي سأسوق أشهر الأمثال العربية المشهورة، والتي يتداولها الناس في كافة بقاع عالمنا العربي عن الكذب.
مثل “أكذب من خرافة”:
يستخدم الناس كلمة “خرافة” للحديث عن أي حكاية أو قصة تبدو غير حقيقية ويتداولها الناس ويصدقونها، وفي القديم قالت العرب: “أكذب من خرافة”، وهو مثل شائع يُضرب إذا وُجد أي شخص يروي قصصًا غير منطقية، أو غير حقيقية، أو لا يمكن تصديقها.
الخرافة لغة: هي تلك الفكرة التي تقوم على التخيل، أو هي التي تبتعد عن العقل والعلم والمعرفة، غير أنه في الواقع فكلمة “خرافة”، هي اسم شخص عاش قديمًا بين العرب وضرب به المثل في رواية القصص الأسطورية، أما خرافة الحقيقي، فهو خرافة العذري من بني عذرة، ويُحكى أن خرافة قد غاب عن قبيلته مدة من الزمن، وحين رجع قام بإخبارهم أن الجن قد اختطفوه، وأنه لما عاد إلى أهله قصّ عليهم حكايات عجيبة من عالم الجن، فلم يصدقوه، وقالوا إنه كاذب، وكانوا كلما سمعوا حديثًا خارجًا عن المعقول، قالوا: “أكذب من خرافة”.
أما خرافة العذري، والذي يُضرب مثلاً في الكذب، فيقال: حديث خرافة لما يفوق الحقيقة والواقع، وقد قال ابن حجر العسقلاني: “ما رأيت أحدًا من الصّحابة ذكره، غير أني وجدت ما يدلّ على ذلك”، ثم أورد ابن حجر من كتاب “الأمثال” للمفضّل الضبي رواية عن القاسم بن عبد الرحمن، حيث قال: سألت أبي ــــ يعني عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ــ عن حديث خرافة، فقال: قد بلغني عن عائشة أنها قالت للنبي صلّى الله عليه وسلم: “حدثني بحديث خرافة “،فقال صلى الله عليه وسلم: “رحم الله خرافَة؛ إنّه كان رجلًا صالحًا؛ وَإنّه أخبرَني أنّه خرج ليلة لبعض حاجته فلقيه ثلاثة مِن الجنّ، فأسروه، فَقَال واحد منهم: نستعبِده، وقَال آخر: نعتقه فَمرّ بِهِم رجل”، وذكر قصّة طويلة.
لقد روى الترمذيّ، عن عائشة، إذ قالت: حدّث النبيّ- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- نساءهُ بحديث، فقالت امرأة منهن: كأنه حديث خرافة، فقال صلى الله عليه وسلم-: “أتدرِين ما خرافَة؟ إِنّ خرافَة كان رجلًا من عذرة أسرته الجنّ فَمكث دهرًا، ثمّ رجع فكان يحدّث بما رأى منهم من الأعاجيب، فقال النّاس: حديث خرافة”، وروى ابن أبي الدّنيا في كتاب “ذمّ البغي”، عن أنس، قال: اجتمع نساء النبي- صلّى الله عليه وسلم- فجعل يقول الكلمة كما يقول الرجل عند أهله، فقالت إحداهنّ: كأنّ هذا حديث خرافة فقال: “أتدرِين ما خرافة؟ ثم ذكر قصة خرافة الطويلة مع الجنّ.
أمثال أخرى في الكذب:
- إنّ الكذوب قد يصدق: وهو مثل يُقال في الشخص المعروف بالكذب تكون منه الصدق في بعض الأحيان.”عند النوى يكذبك الصادق”: قيل إنه يضرب مثلًا للرجل يُعرف بالصدق ثم يحتاج إلى الكذب.”أكذب من دبّ ودرج”: “أي هو أكذب الكبار والصغار، دبّ؛ لضعف الكبر، ودرج؛ لضعف الصغر، وقيل: بل معناه: أكذب الأحياء والأموات، والدبيب: للحي، والدروج: للميت يقال: درج القوم إذا انقرضوا”.”جاء بالحظِر الرطب”، وهو مثل يُضرب للشخص إذا جاء بكثرة الكذب.