أمونيوس وفلسفة أرسطو في مناهضة الحتمية

اقرأ في هذا المقال


مفهوم الحتمية:

الحتمية هي العقيدة القائلة بأنّ جميع الأحداث بما في ذلك العمل البشري يتم تحديدها في نهاية المطاف من خلال أسباب تعتبر خارجة عن الإرادة، حيث اتخذ بعض الفلاسفة الحتمية للإيحاء بأنّ البشر ليس لديهم إرادة حرة ولا يمكن تحميلهم المسؤولية الأخلاقية عن أفعالهم.

أرسطو ومناهضة الحتمية:

أضاف أمونيوس حجتين حتميتين أخريين إلى الحجة الشهيرة (ستكون هناك معركة بحرية غدًا)، مما جعل تعليقه في أطروحة صغيرة عن الحتمية:

1- كان حاصدة (Reaper):

وهي حجة اعتبرها أمونيوس أكثر لفظية، والتي ربما تعود إلى ديودوروس كرونوس والتي كانت مهتمة جدًا بزينو الرواقي، حيث إذا لم تحصد فربما لن تحصد بنفس الطريقة وربما لن تحصد لكن مهما حدث فلن تحصد.

لكن في الواقع بالضرورة إما أن تحصد أو لا تحصد، ونتيجة لذلك يقول أمونيوس: “ربما تم تدمير (ربما)، ومعها الوحدة أو الشروط”، وفي مقابل ذلك يجادل أمونيوس بأنّه إذا كان الحتمي يعتزم أن تحصد لتكون عرضيًا فقدَ وجهة نظره بالفعل، ولكن إذا كان ينوي ذلك حسب الضرورة فإنّه يأخذ ما ينوي إثباته كأمر مسلم به، وعلاوة على ذلك في هذه الحالة سيكون “سيحصد مهما حدث” صحيحًا، لكن الحتمية لا تستطيع أن تقول “إما ستحصد أو لن تحصد”، لأنه إذا كان أحدهما ضروريًا فإنّ الآخر مستحيل.

يجادل سورابجي بأنّ كلمة (ربما) غامضة حيث تشير إما إلى بيان متردد حول المستقبل أو بيان حول الاحتمالات الحالية، وأن الحجة الحتمية تلعب على هذا الغموض وهو أمر يعتقد أن أمونيوس لم يراه.

2- الحجة الحتمية الثانية:

قال أمونيوس: “إنّها أكثر ارتباطًا بطبيعة الأشياء” فهي من المعرفة الإلهية، فيُظهر أمونيوس أنّ الآلهة يجب أن تكون لديها معرفة محددة بإبداعاتهم، وهل المستقبل محدد إذن وليس عرضيًا، لأنّ الآلهة تعرف الحقائق المستقبلية بطريقة محددة؟

ويستند إجابة أمونيوس على هذا السؤال إلى فكرة أنّ نوع المعرفة يعتمد على نوع العليم وليس على نوع الشيء المعروف، لذلك نظرًا لطبيعتهم الخاصة يمكن للآلهة وهم وحدهم أن يكون لديهم معرفة محددة (hōrismen) بالحقائق العرضية المستقبلية، على الرغم من أنّ هذه الحقائق غير محددة في حد ذاتها، وفي الواقع مع الآلهة لا يوجد شيء ماضي أو مستقبلي لأنّهم خارج الزمن.

فقط بعد مناقشة هاتين الحجتين الإضافيتين لإلغاء الطوارئ ينظر أمونيوس في حجة معركة البحر من مناقشة أرسطو كان من الصحيح دائمًا القول أنّه ستكون هناك معركة بحرية في هذا اليوم، وبالتالي لم يكن من الممكن أن يحدث هذا أو لا يحدث لذلك من الضروري لها أن يحدث، وفي النهاية كل الأشياء التي ستحدث تحدث بالضرورة ولا شيء بالصدفة.

فلسفة الحتمية بين الصح والخطأ:

كان هناك منذ الرواقيين جدل حول إجابات أرسطو على هذه الحجة، وما يسمى بالتفسير القياسي يرى أنّ أرسطو اعتقد على عكس مثل هذه الجمل حول الماضي أو الحاضر، وأنّ الجمل التي تؤكد الحقائق العرضية الفردية المستقبلية ليست صحيحة ولا خاطئة، مما يستثنيها من مبدأ التكافؤ ويتجنب النتيجة الحتمية المزعومة التي يتم تدمير الصدفة والفرصة، وكان هناك أيضًا نقاش جوهري حول ما إذا كان أمونيوس ملتزمًا بالتفسير القياسي لإجابة أرسطو.

أمونيوس مثل بوثيوس الذي كانت إجابته أكثر تعقيدًا إلى حد ما، يهاجم المشكلة عن طريق تفسيره لملاحظة أرسطو الافتتاحية في الفصل أنّه في حين أنّ القاعدة من كل زوج متناقض من الجمل، واحد صحيح و حواجز خاطئة واحدة بين الجمل حول ما حدث أو حدث، بالإضافة إلى جمل حول المسلمات المأخوذة عالميًا والمفردات في المضارع أو الماضي، لأنّ المسلمات التي لم تُقال عالميًا ليست ضرورية كما أوضح في السابق.

يفسر أمونيوس ليس الأمر نفسه كإشارة إلى عقيدة مفادها أنّ الجمل المتعلقة بالأحداث العرضية الفردية المستقبلية تقسم الصواب والخطأ، (أي الامتثال لمبدأ التكافؤ) ولكنها تفعل ذلك إلى أجل غير مسمى، فإنّ الجملة تتنبأ بشكل صحيح بذلك النتيجة صحيحة (والآخر خاطئ) فقط إلى أجل غير مسمى، وليس بطريقة محددة، وبالتالي ليس من الممكن تحديد أي منها سيكون صحيحًا وأيها سيكون خطأ، لأنّ الشيء لم يحدث بالفعل ولكن يمكن أن يحدث ولا يحدث.

فلسفة الحتمية بين الحقيقة الضرورية والمحددة:

في نهاية مناقشته يجمع أمونيوس بين الحقيقة الضرورية والمحددة، ولكن ليس بشكل كافٍ لحل جميع الأسئلة حول هذا الأخير، وإنّه يستخدم فكرة أرسطو القائلة بأنّ الجمل يمكن أن تكون بالضرورة صحيحة بطريقتين، إمّا بشكل مطلق بغض النظر عما إذا كان يقال عن أشياء قابلة للتلف أو موجودة أو غير موجودة، أو طالما أنّ المسند يحمل الموضوع، وإنّ الفصل الكامل للتأكيدات المتناقضة مثل “إما أنّ سقراط يمشي أو أنّ سقراط لا يمشي” صحيح بالضرورة في المعنى المطلق.

يقول أمونيوس أنّ هذا لا يزال هو الحال عندما نظرًا لطبيعة الشيء المعني يكون أحد الانفصال صحيحًا بطريقة محددة، كما في “إما أن تكون النار ساخنة أو النار ليست ساخنة”، ويبدو إذن أنّ أمونيوس لا يتعامل إلّا مع المفارقات المتناقضة على أنّها صحيحة بالضرورة بالمعنى المطلق، في حين أنّ أجزائها المفككة قد تكون بالضرورة صحيحة بالمعنى الآخر أي طالما أنّ المسند يحمل الموضوع.

في حالة وجود حقائق معينة مثل أن يكون الحريق ساخنًا فهذه هي الحالة دائمًا، وفي حالة وجود نقطتين متناقضتين فإنّ تلك التي تؤكد هذه الحقيقة صحيحة دائمًا بطريقة محددة، وفي حالة الحقائق العرضية إذن لن يكون فصل واحد صحيحًا إلّا بطريقة محددة عندما يكون الموضوع موجودًا ويكون المسند صحيحًا منه.

بالنسبة إلى أمونيوس عندما يقصر أرسطو المناقشة على الحقائق العرضية المستقبلية، فإنّ هذا يجعل من الضروري ألّا يكون أي من أعضاء التناقض الذي قال عنها صحيحًا بطريقة محددة مهما حدث، لأنّ كل واحد كونه عرضيًا يجب أن يكون عرضة لكلتا الحقيقة، والخطأ مهما كانت فرصته أو بالنسبة للجزء الأكبر أو للجزء الأصغر.

تكون مفارقات المستقبل كلها عرضية وبالتالي ليست صحيحة بالتأكيد فهي مفتوحة لكل منها لتكون صحيحة أو خاطئة في الحدث، وقد لا يكون نهج أمونيوس مرضيًا للغاية بالنسبة لنا من حيث أنّه لا يجيب على السؤال حول نوع قيمة الحقيقة التي تم تخصيصها لأرسطو أو أمونيوس للاقتراحات الطارئة المستقبلية ولكنه يحافظ على مشروع التفسيرات، ويستكشف تطبيق والاستثناءات من القاعدة القائلة بأنّ كل زوج من الجمل المتناقضة له عنصر واحد صحيح وآخر خطأ.

يستخدم بوثيوس أيضًا التمييز بين أن يكون صحيحًا بشكل محدد وغير محدد، ولكن هناك جدلًا بين العلماء حول ما إذا كان يفهم هذا التمييز، ودوره في حجة أرسطو بنفس الطريقة تمامًا مثل أمونيوس.


شارك المقالة: