اقرأ في هذا المقال
- فلسفة مبدأ الضرر عند ميل
- نقد ميليان لمبدأ الضرر في تقييده للحرية لدى ميل
- تفسيرات لادّعاء الضرورة في مبدأ الضرر لدى ميل
“لا يزال من غير المعترف به أنّ إحضار الطفل إلى الوجود دون احتمال عادل للقدرة ليس فقط على توفير الغذاء لجسمه ولكن التوجيه والتدريب لعقله هو جريمة أخلاقية، سواء ضد النسل التعيس أو ضد المجتمع، حيث وأنّه إذا لم يفي الوالد بهذا الالتزام فيجب على الدولة أن تفي به بتهمة الوالد إلى أقصى حد ممكن”.
جون ستيوارت ميل – حول الحرية
فلسفة مبدأ الضرر عند ميل:
يتحدث ميل عن منع المرء من إيذاء الآخرين وعن منع الأذى، وفي الواقع يشير بيانه عن المبدأ البسيط للغاية إلى كليهما، ولكن كما يوضح المثال السامري فإنّ هذين الادعاءين ليسا متكافئين، ففي كل مرة أمنع فيها شخصًا من إيذاء شخص آخر أشارك أيضًا في منع الضرر.
في بعض حالات منع الضرر قد لا تكون حالات منع شخص من إيذاء شخص آخر، ولذلك يجب أن نميز نسختين مختلفتين من مبدأ الضرر وهما:
- مبدأ مضاد للأذى (HP1–anti-harming principle): يمكن لـ (أ) تقييد حرية (ب) فقط من أجل منع (ب) من إيذاء الآخرين.
- مبدأ للوقاية من الأذى (HP2–harm-prevention principle): يمكن لـ (أ) تقييد حرية (ب) فقط من أجل منع إيذاء الآخرين.
لأن كل حالة لمنع شخص من إيذاء شخص آخر هي حالة لمنع الضرر ولكن ليس العكس، حيث (HP1) أضيق من (HP2)، وفي الواقع (HP1) هو جزء مناسب من (HP2)، في حين أنّ (HP1) يبرر التدخل فقط عندما يكون الهدف نفسه هو سبب الضرر للآخرين، فإنّ (HP2) يبرر التدخل لمنع الضرر للآخرين، سواء كان هذا الضرر ناتجًا عن الهدف أو بطريقة أخرى، ومن الواضح أنّ (HP2) سوف يبرر تدخلًا أكثر من (HP1).
كما رأينا من الصعب تبرير قوانين السامري الصالح إذا كانت (HP) هي الأساس الوحيد لتقييد الحرية طالما أننا نفهم (HP) على أنّها (HP1)، وحقيقة أنّ ميل يعتقد أنّ القوانين السامرية يمكن تربيعها مع مبدأ الضرر هي دليل على أنّه يفهم مبدأ الضرر من حيث منع الضرر.
وهناك قلق مختلف بشأن ضرورة الضرر يتعلق بالحالات التي تنطوي على قيود على الحرية في التوفير الإجباري للسلع العامة، لأنّه جزء من هيكل السلع العامة أنّ تأثير المساهمات الفردية على توفير الصالح العام لا يكاد يذكر، والتأثير السلبي لفشل الفرد في المساهمة ضئيل وينتشر على نطاق واسع بين السكان.
لكن هذا يعني أنّه حتى لو كان الإخفاق في توفير السلع العامة سيُعتبر خلافًا لذلك خسارة فادحة للجميع وضررًا، فإنّ تكلفة الإخفاق الفردي في توفير هذه السلع لا يبدو أنّها تفي بمعايير ميل للسلوك الضار، حيث تأثير الإخفاقات الفردية، إنّ المساهمة في المنافع العامة صغيرة جدًا ومنتشرة على نطاق واسع بحيث لا تشكل انتهاكًا لالتزام مميز وقابل للتنازل لأي شخص أو أشخاص آخرين، وبقدر ما يكون هذا مصدر قلق لمبدأ الضرر يبدو أنّه مصدر قلق مماثل لـ (HP1) و (HP2).
نقد ميليان لمبدأ الضرر في تقييده للحرية لدى ميل:
أحد ردود ميليان (Millian) هو إنكار أنّ مبدأ الضرر يهدف إلى أن يكون بمثابة شرط ضروري لأي قيود على الحرية، فمن الواضح أنّ ميل يهتم بالدفاع عن الحريات الأساسية بدلاً من الحرية في حد ذاتها، وعلى وجه الخصوص إنّه مهتم بحريات الضمير والحريات التعبيرية وحريات الأذواق والسعي وحريات تكوين الجمعيات.
ويمكنه الدفاع عن هذه الحريات باعتبارها تلعب دورًا أكثر مركزية في مداولاتنا العملية وتشكيلنا وسعينا وراء مُثُل شخصية أكثر من الحريات الأخرى، ولكن بعد ذلك قد يحاول ميل تبرير القيود المتواضعة على الحرية اللازمة لتوفير فوائد المنافع العامة المهمة من خلال الادعاء بأنّه حتى لو كانت هذه القيود على الحرية لا تمنع الضرر فإنّها لا تقيد الحريات الأساسية وتساعد في تأمين سلع أخرى مثل التعليم والأمن والصرف الصحي التي تكون بمثابة شروط ضرورية لسعادتنا.
“عندما يتم الحديث عن قداسة الملكية يجب أن نتذكر دائمًا أنّ مثل هذه القداسة لا تنتمي بنفس الدرجة إلى ملكية الأرض، ولم يصنع إنسان الارض، وإنّه الميراث الأصلي لجميع الأنواع”.
جون ستيوارت ميل – مبادئ الاقتصاد السياسي مختصرة بملاحظات نقدية وبيبلوغرافية وتفسيرية ورسم تخطيطي لتاريخ الاقتصاد السياسي
تفسيرات لادّعاء الضرورة في مبدأ الضرر لدى ميل:
هذه المسألة تتطلب منا التمييز بين قراءتين أخريين لمبدأ الضرر، واحدة من حيث الحرية في حد ذاتها والأخرى من حيث الحريات الأساسية، ويتخطى هذا التمييز التمييز بين مكافحة الأذى ومنع الضرر مما يعطينا أربعة تفسيرات محتملة لادعاء الضرورة:
- (HP1A): يمكن لـ (أ) تقييد حرية (ب) فقط من أجل منع (ب) من إيذاء الآخرين.
- (HP1B): يمكن لـ (أ) تقييد الحريات الأساسية لـ (ب) فقط من أجل منع (ب) من إيذاء الآخرين.
- (HP2A): يمكن لـ (أ) تقييد حرية (ب) فقط من أجل منع إيذاء الآخرين.
- (HP2B): يمكن لـ (أ) تقييد الحريات الأساسية لـ (ب) فقط من أجل منع إيذاء الآخرين.
أنّ مبدأ الضرر سيكون أكثر قوة وأكثر ملاءمة لآراء ميل حول القيود المبررة على الحرية إذا فهمنا أنّها مبدأ منع الضرر بشكل أساسي مثل (HP2A) بدلاً من (HP1A)، ولقد رأينا الآن كيف سيكون مبدأ الضرر أكثر قوة وأكثر ملاءمة لوجهات نظر ميل حول القيود المبررة على الحرية إذا فهمنا أنّه ينظم القيود على الحريات الأساسية بدلاً من الحرية في حد ذاتها.
هذا يتطلب منا تفسير مبدأ الضرر على أنّه (HP2B) ويمكن أن نسمي هذا مبدأ منع ضرر الحريات الأساسية، ولكن إذا فسرنا مبدأ الضرر بهذه الطريقة فإنّ ميل يكون أبعد من وجهة النظر الليبرتارية، على الأقل إذا تم فهم الليبرتارية على أنّها فكرة أنّ الحد الشرعي الوحيد للحرية الفردية هو منع ذلك الفرد من التصرف بطرق تضر الآخرين.
إنّ ادعاء الضرورة الذي يصنعه مبدأ الضرر يكون أكثر قوة إذا فسرناه على أنّه مبدأ منع ضرر الحريات الأساسية، ولكن حتى مع تفسير ذلك فإنّ ادعاء الضرورة لا يزال خاطئًا، وبالنسبة لجميع إصدارات مبدأ الضرر تصر على أنّ الأبوية هي سبب غير مسموح به للتقييد، ولكن ميل لا يقبل في الواقع الحظر الشامل على الأبوة، بل يسمح بفرض قيود أبوية على بيع نفسه كعبيد.
لكن الاستثناء نفسه من للحظر العادي للأبوية يظهر أنّ ميل لا يعتقد أنّ القيود الوحيدة المقبولة على الحرية هي تلك التي تمنع إلحاق الأذى بالآخرين، فهذه حالة يجوز فيها تقييد الحرية ليس لمنع إيذاء الآخرين ولكن لمنع نوع خاص من إيذاء الذات، وإذا لم يكن منع الضرر ضروريًا ولا كافيًا لتبرير القيود المفروضة على الحرية فإنّ مبدأ واحد بسيط جدًا الذي طرحه ميل يكون في غاية البساطة.