إثنوغرافيا التواصل وعلم اللغة الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


نبذة عن إثنوغرافيا التواصل:

إثنوغرافيا التواصل (EOC) وهي كلمة مختصرة من (The Ethnography of Communication)، والتي تسمى في الأصل إثنوغرافيا التحدث والخطاب، وهي العلم الذي يهتم بتحليل التواصل ضمن السياق الواسع والذي يشمل الممارسات الاجتماعية والثقافية واعتقادات أعضاء ثقافة معينة أو مجتمع كلام معين.

يستنبط علم إثنوغرافيا التواصل من البحث الإثنوغرافي، والتي تعد الطريقة المستخدمة لتحليل الخطاب في علم اللغة، كما أنها تعتمد في تحليل الكلام والخطاب اللغوي على المجال الأنثروبولوجي للإثنوغرافيا. ولكن تعد الإثنوغرافيا الأصولية مغايرة لإثنوغرافيا التواصل، فتأخذ إثنوغرافيا التواصل عدد من الأمور والعناصر اللغوية في الحسبان ومنها، الشكل التواصلي والذي قد تشتمل على عدة عناصر (لا الحصر)، على سبيل المثال اللغة المنطوقة ووظيفتها داخل الثقافة المعينة.

الأهداف العامة لإثنوغرافيا التواصل:

وكما تشمل الأهداف العامة لهذا العلم على طريقة البحث النوعي والقدرة على تمييز الأفعال والرموز الخطابية في الاتصال والتي تعتبر مهمة للغاية للمجموعات الكلامية المختلفة، وبالإضافة إلى أنواع مجموعات المعاني التي تقوم مختلف المجموعات الخطابية باستخدامها وذلك لتلبية حاجاتهم المتعددة في الاتصال، وكيفية تعلم أعضاء المجموعة الأفعال والرموز الخطابية؛ وذلك من أجل توفير النظرة عن مختلف المجتمعات الخطابية.

كما أنه يمكن استخدام  هذه النظرة لتعزيز وتدعيم التواصل مع أعضاء المجموعات المختلفة، وفهم قرارات أعضاء المجموعة، بالإضافة إلى التمييز بين المجموعات عن بعضها البعض.

أصل إثنوغرافيا التواصل: 

عد العالم اللغوي ديل هايمز إثنوغرافيا التواصل بأنه عبارة عن نهج يقوم بتحليل أنماط وعناصر استخدام اللغة داخل المجتمعات اللغوية المختلفة؛ وذلك من أجل تقديم الدعم الكامل فيما يتعلق بفكرته الخاصة بدراسة الكفاءات التواصلية المختلفة، والتي كانت في عبارة عن ردة فعل على التمييز بين الأداء اللغوي والكفاءة اللغوية من قبل عالم اللغة نعوم تشومسكي.

كما سميت ورقة بحث اللغوي ديل هايمز بإثنوغرافيا الكلام وكان هذا في عام 1962، كما أنه تم إعادة صياغة مقالته وإعادة تسميتها في عام 1964 فكان اسمها “مقدمة نحو إثنوغرافيا الاتصال”؛ وكان ذلك لاستيعاب الخصائص والسمات الصوتية وغير اللفظية وغير المسموعة للتواصل على الرغم من ديمومة الأبحاث المتعلقة بإثنوغرافيا الاتصال واستمرار تركيز الباحثون في هذا المجال على الكلام والذي يعد أهم وسيلة اتصال يعرفها البشر على الرغم من كونها الطريقة البدائية.

المعنى الدقيق لإثنوغرافيا التواصل:

كما يُقصد بمصطلح إثنوغرافيا الاتصال بوصف الخصائص التي يجب أن يعتمدها النهج اللغوي تجاه اللغة وذلك بالطبع من منظور علم أنثروبولوجية الاتصال.

ووفقًا للغوي ديل هايمز يجب علينا التحقق وبشكل مباشر في استخدامنا للغة في سياقات المواقف؛ وذلك حتى يتسنى لنا التمييز بين الأنماط اللغوية المناسبة لأنشطة الكلام المختلفة وأخذ المجتمع الخطابي المحيط كسياق لغوي معتمد والتحقق من عادات التواصلية المختلفة.

وبعبارة أخرى بدلاً من فصل الأشكال اللغوية للمجتمعات عن وظيفتها يجب أن يتم التأكد من تحليل تواصل الثقافة أو المجتمع اللغوي المحيط فيما يتعلق بالسياق الاجتماعي والثقافي واستخداماته ووظائف المعاني والكلمات الاصطلاحية المنقولة بين أفراد المجتمعات.

كما يذكر علماء اللغة ليتل جون وفوس أن العالم اللغوي ديل هايمز يقترح بأن يمكن للثقافات أن تتواصل بطرق مختلفة ولكن جميع أشكال الاتصال تتطلب رمزًا مشتركًا ومتصلين يعرفون ويستخدمون الرموز والأفعال ومجرى التواصل اللغوي، بالإضافة إلى أساليب ونماذج الرسالة اللغوية وموضوعها والحدث الأساس الذي يشغلها، وكل ذلك يتم إنشاؤه عن طريق نقل الرسالة اللغوية.

دراسات علماء اللغة لإثنوغرافيا التواصل:

دراسة العالمة اللغوية ديبورا كاميرون في إثنوغرافيا التواصل:

 تقول العالمة اللغوية ديبورا كاميرون، إذا كنت مهتمًا بشكل أساسي بالطريقة التي يتلاءم بها حدث خطابي معين مع شبكة مجتمعية كاملة من المعتقدات والممارسات الثقافية والاجتماعية، فسوف تقضي المزيد من الوقت في وصف الأشياء الخارجية المحيطة بك عن الحديث نفسه،فعلى سبيل المثال ستنشغل بأمور كمن هم المتحدثون وأين هم وما هي المعتقدات والعادات المهمة التي تشغل حياتهم.

 دراسات ليندلوف وتايلور  في إثنوغرافيا التواصل:

ووفقًا لليندلوف وتايلور تنتج الدراسات المختصة في إثنوغرافيا التواصل تحليلًا مفصلاً للغاية لرموز وأفعال الاتصال ووظائفها اللحظية في سياقات مجتمعية مختلفة. ووفقًا لهذه التحليلات يتم تشكيل المجتمعات الكلامية والخطابية في المجتمعات المحلية والدائمة التي تتعدد من عدة أمور منها الثقافية والأخلاقية والمجتمعية وغيرها.

كما يمكن استخدام إثنوغرافيا التواصل كوسيلة لدراسة التفاعلات بين أعضاء ثقافة معينة أو داخل مجتمع الكلام والخطاب (وهو أي مجموعة من الناس تخلق وتؤسس لنفسها قواعد ومعايير التحدث الخاصة بها).

دراسة جيري فيليبسين في إثنوغرافيا التواصل:

كما أوضح العالم اللغوي جيري فيليبسين بأنه لكل مجتمع قيمته الثقافية الخاصة به فيما يتعلق بالتحدث وهذه القيم والمبادئ اللغوية مرتبطة بشكل وثيق بأحكام ملائمة للمواقف والظروف المحيطة بأفراد المجتمع. ولكن يختلف معنى وفهم وجود أو عدم وجود الكلام داخل المجتمعات المختلفة.

فيجب فهم الأنماط والمعايير الثقافية المحلية لتحليل وتفسير مدى ملاءمة الأفعال والرموز الخطابية داخل مجتمعات معينة. وبالتالي فإن العبارة القائلة بأن الحديث لا يتم تقييمه بشكل متساوٍ في جميع السياقات الاجتماعية يشير إلى استراتيجية بحثية لاكتشاف ووصف الاختلافات الثقافية أو الثقافية الفرعية في قيمة التحدث.

دراسة ديل هايمز في إثنوغرافيا التواصل:

يعتقد ديل هايمز بأن لغة المرء قد تؤثر وبشكل كبير على نظرة المرء للعالم، فقد جادل بأن مدى هذا التأثير على المرء يعتمد على الظروف المكتسبة من قبل الفرد ومكانها في المخزون اللغوي للشخص والمجتمع.

فيعد التحدث هو أحد الموارد والعناصر الرمزية التي يتم تخصيصها وتوزيعها في المواقف الاجتماعية وفقًا إلى أنماط ثقافية مميزة. كما قام العالم اللغوي ديل هايمز باستخدم إثنوغرافيا التواصل لمجادلة الرأي القوي لفرضية (Sapir-Whorf)، وهي الفكرة القائلة بأن لغة المرء تحدد القدرة المعرفية لهذا المرء داخل مجموعات لغوية محددة.

أبحاث وأمثلة بارزة في إثنوغرافيا التواصل:

استخدمت العديد من الدراسات البحثية في مجال لإثنوغرافيا التواصل كأداة منهجية عند إجراء البحوث التجريبية على عدة علوم. فتتضمن أمثلة هذا العمل على دراسة(Philipsen) والتي فحصت مختلف الطرق التي يتحدث بها رجال الياقات الزرقاء الذين يعيشون بالقرب من ولاية شيكاغو أو التي لا يستخدمونها في حديثهم بناءً على سياق الاتصال.

كما أن هناك علاقة للهوية الشخصية بطريقة الحديث والخطاب (أي ما إذا كانوا يعتبرون من حالة اجتماعية غير مماثلة أو غير مكافئة لطبقتهم أو ما إذ كانوا من مستواهم سواء الثقافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي).وتشمل الأمثلة الأخرى على إثنوغرافيا التواصل دراسة كاتريل لأعمال الاتصال الإسرائيلية التي تنطوي على الاستحواذ والمزاح حول المشاكل الوطنية والعامة، بالإضافة إلى دراسات كاربو المقارنة للاتصال في مجموعة لغوية متنوعة من السياقات متعددة الثقافات.

فلا تحدد هذه الدراسات أعمال الاتصال والقواعد والأنظمة والوظائف والمعايير فحسب ولكنها تقدم أيضًا طرقًا مختلفة ومتعددة يمكن من خلالها تطبيق هذه الطريقة على مختلف المجتمعات أو حتى على مختلف الطبقات والمستويات في المجتمع الواحد.

كما كونت طرق التحدث للعالم اللغوي جويل شيرزر منظوراً ليبحث من خلاله في طرق التحدث في اللغة المستخدمة في كونا بنما. تركز هذه دراسة التاريخية على طرق التحدث اليومي وطقوس البلوغ اللغوية وطرق الحديث في المنزل. وكانت هذه أول دراسة تتناول بوضوح إثنوغرافيا التواصل من منظور التحدث اللغوي في مجموعة كاملة من الممارسات اللفظية بين مجموعة من الناس.


شارك المقالة: