تفسير الآية
﴿ وَقَالَ یَـٰۤأَبَتِ هَـٰذَا تَأۡوِیلُ رُءۡیَـٰیَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّی حَقࣰّاۖ وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِیۤ إِذۡ أَخۡرَجَنِی مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَاۤءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ بَیۡنِی وَبَیۡنَ إِخۡوَتِیۤۚ إِنَّ رَبِّی لَطِیفࣱ لِّمَا یَشَاۤءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡحَكِیمُ (١٠٠)﴾ [يوسف ٩٩-١٠٠].
لما تقلبت الأحوال بيوسف عليه السلام، وتطورت به الأطوار، عرف أنّ هذه الأشياء وغيرها لُطفٌ من لطف الله له، فاعترف بهذه النعمة ﴿ وَقَالَ یَـٰۤأَبَتِ هَـٰذَا تَأۡوِیلُ رُءۡیَـٰیَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّی حَقࣰّاۖ وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِیۤ إِذۡ أَخۡرَجَنِی مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَاۤءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ بَیۡنِی وَبَیۡنَ إِخۡوَتِیۤۚ إِنَّ رَبِّی لَطِیفࣱ لِّمَا یَشَاۤءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡحَكِیمُ (١٠٠)﴾ [يوسف ٩٩-١٠٠].
وهذا من أعظم نعم الله تعالى على العبد، أن يعرض أحواله التي تمر به على معاني أسماء الله الحسنى، وصفاته العلى؛ فإنّ هذا له فائدتان:
الأولى: زيادة الإيمان.
الثانية: سهولة تلقي المصائب المؤلمة، وهذا يزداد حين يبلغ العبد منزلة الرضا عن الله، بحيث يوقن أن اختيار الله خيرٌ من اختياره لنفسه.
إنّ من أسماء الله الحسنى التي تكرر ذكرها في كتاب الله تعالى، ولها أثرها البالغ في حياة العبد- لمن فقه معناها وعمل بمقتضاها-: اسم الله اللطيف، الذي تمدح به في مواضع من كتابه، منها ﴿لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَهُوَ یُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَـٰرَۖ وَهُوَ ٱللَّطِیفُ ٱلۡخَبِیرُ﴾ [الأنعام ١٠٣] وكذلك قوله تعالى ﴿أَلَا یَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِیفُ ٱلۡخَبِیرُ﴾ [الملك ١٤] فكيف نعيش مع هذا الاسم؟ وما آثاره الإيمانية علينا؟
إنّ التأمل في آثار لطفه بعباده، يزيد قرب الإنسان من ربه، يقول السعدي : من لطفه بعبده أن يُقدر له أن يتربى في ولاية أهل الصلاح والعلم الإيمان، وبين أهل الخير؛ ليكتسب من أدبهم وتأديبهم، ولينشأ على صلاحهم وإصلاحهم، كما امتنّ الله على السيدة مريم رضي الله عنها عندما قال عنها (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنࣲ وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنࣰا وَكَفَّلَهَا زَكَرِیَّاۖ).
ومن لطف الله بهم: أنّه يُقدر عليهم أنواع المصائب، وضروب المحن، والابتلاء بالأمر والنهي الشاق؛ رحمةً بهم ولطفاً، وسوقاً إلى كمالهم وكمال نعيمهم (وَعَسَىٰۤ أَن تَكۡرَهُوا۟ شَیۡـࣰٔا وَهُوَ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰۤ أَن تُحِبُّوا۟ شَیۡـࣰٔا وَهُوَ شَرࣱّ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ) [البقرة ٢١٦].
ومن لطف الله بعبده: أن يجعل رزقه حلالاً في راحة وقناعة، يحصل به المقصود، ولا يشغله عمّا خُلق له من العبادة والعمل، بل يعينه على ذلك، ويُفّرغه، ويُريح نفسه لسبب من الأسباب الدنيوية، التي يظن فيها إدراك بغيته، فيعلم الله أنّها تضره وتصدّه عمّا ينفعه؛ فيحول بينه وبينها، فيظل العبد كارهاً وهو لم يدر أنّ ربّه قد لطف به، حيث أبقى له الأمر النافع وصرف عنه الأمر الضار، ولهذا كان الرضى بالقضاء في مثل هذه الأشياء من أعلى المنازل انتهى .
والحمد لله رب العالمين.