اقرأ في هذا المقال
كل الأمم على هذه الأرض تمتلك موروثاتها الثقافيّة الخاصة بها، والتي تعبّر بدورها عن الكثير من الأحداث والمناسبات، والتي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي سنتناوله فيما يلي من سطور، هو: “إن من ابتغاء الخير اتّقاء الشر”.
معنى مثل “إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر” وأصله:
يُقال إن أصل المثل يعود إلى ابن شهاب، إذ جاءه شاعر، فمدحه فأمر بإعطائه المال، وقال: “إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر”، ومعناه أن لسان الشاعر مما ينقّى، فينبغي أن يفتدي شره بأن يعطيه ويهبه المال، وقد قال أحد الحكماء: “إعطاء الشاعر من بر الوالدين”، وقال الفرزدق: “وما حملت أم امرىء في ضلوعها أعقّ من الجاني عليها هجائيا”.
ومما ورد عن حاتم قوله لابنه: “إذا رأيت الشر يتركك فاتركه”، وقال هدبة العذريّ: “ولا أتمنى الشر والشر تاركي ولكن متى أحمل على الشر أركب”، ومما ورد عن نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- قوله: “ماوقى الرجل به عرضه كُتب له به صدقة، وما أنفق المؤمن نفقة فعلى الله خلفها إلا ما كان من نفقة في بنيان أو معصية لله تعالى”، كما قال محمد بن الحسن الهلالي: قلت لابن المنكدر ما معنى” وقي الرجل به عرضه؟” قال: أن يعطي الشاعر ذا اللسان.
مثل مشابه لمثل “إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر”:
لا بدّ من أن نذكر هنا مثلًا مشابهًا لمثلنا أعلاه، وهو: “اتقِ شرّ من أحسنت إليه”، وهو مثل لا يؤخذ على إطلاقه، بل إنه مقيد بحال اللئام، وليس بحال الكرام؛ فقد قال علي بن أبي طالب رضى الله عنه: “الكريم يلين إذا استعطف، واللئيم يقسو إذا ألطف”، وعن عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- قال: “ما وجدت لئيمًا إلا قليل المروءة”، وفي القرآن الكريم: “وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ”.”التوبة: 74″، وقال أبو عمرو بن العلاء أحد الأئمة يخاطب بعض أصحابه: “كن من الكريم على حذر إذا أهنته، ومن اللئيم إذا أكرمته، ومن العاقل إذا أحرجته، ومن الأحمق إذا رحمته، ومن الفاجر إذا عاشرته، وليس من الأدب أن تجيب من لا يسألك، أو تسأل من لا يجيبك، أو تحدث من لا ينصت لك”.