اتقِِ شر من أحسنت إليه

اقرأ في هذا المقال


رغم  أن لكل شعب إرثه الثقافيّ الذي يخصّه، والمرتبط بمخزونه اللغوي الذي يعبر عن المواقف التي تمر عبر العصور والأزمنة، وقد تطورت لغة وآداب الإنسان من عصر إلى عصر، ومن حديث إلى أحدث، غير أن الأمثال الشعبية والفصيحة بقيت مرتبطة بالإنسان ومستمرة، فنجد الأمثال على إيجازها وخفتها رفيقة الإنسان في المواقف والأحداث المختلفة، تصوّرها وتصفها وصفًا دقيقًا، وهي الأمثال ذاتها التي استخدمها الآباء والأجداد، دون تطور أو تقدم، إنما تُعدّ عند الكثيرين مرآة للحكمة وملاذًا يلجأ إليه المرء عند الحاجة، فإما أن يكون استخدامها للاتعاظ بها، أو لتوجية النصح للآخرين.

مثل “اتق شر من أحسنت عليه في الميزان”:

يتردّد على ألسنة الناس بشكل كبير مثل نسمعه كثيرًا، وهو مثل :”اتّقِ شرّ من أحسنت إليه”،  والذي يعتبره البعض من الأقوال المأثورة، وإذا ما وضعنا هذا المثل في الميزان، فقد يتفق البعض على صحتها، و يختلف معهم آخرون ويعتبرونها خاطئة؛ لأن كل إنسان يصنفها على حسب الموقف الذي تعرض له، و لأن بعض الناس لا يحفظون الجميل، وكما أنهم لا يعترفون بفضل أحد، بل هم يردون المعروف بمقابلته بالإساءة، فهؤلاء ينطبق عليهم مقولة “اتّقِ شرّ من أحسنت اليه”.

قصة مثل “اتق شر من أحسنت إليه”:

أما قصة مثل “اتّقِ شرّ من أحسنت إليه”، فيُحكى أنه كان في إحدى القرى رجل يعمل في رعي الأغنام في إحدى المزارع، وفي أحد الأيام كان يتجول في المزرعة جرو صغير، وكان يرتجف من شدة الجوع والبرد، فحمله الراعي وذهب به إلى كوخه الصغير، وحماه وقام بالاعتناء به جيدًا، ثم أخذه الى المزرعة، وقام بتخصيص شاة له من إحدى الأغنام التي يرعاها من أجل أن ترعاه، وكي يحصل منها على الحليب والحنان وتكون له بمثابة أم، وكانت تلك الشاة من أفضل ما عنده من النعاج.

بعد مرور الأيام والشهور، كبر الجرو الصغير، وصار قوي البنية وأكثر ضخامة، وبدأت ملامحه تتشكل، دخل الراعي في أحد الأيام إلى مزرعته فوقف مذهولاً من هول ما رأى، فقد وجد أن هذا الجرو كان جرو ذئب وليس جرو كلب، فما كان من الذئب سوى أن قام بأكل الشاة التي كانت تطعمه، وكانت بمثابة أم له فقام بنهش لحمها، دون أن ينشغل أو يفكر بما قدمته له عندما كان صغيرًا من رعاية وحنان واهتمام، عندما كان لا يقوى على فعل شيء ولا يملك أن يقوم بإطعام نفسه.

العبرة من مثل: “اتق شر من أحسنت إليه”:

تتلخص العبرة من مثل “اتّقِ شرّ من أحسنت إليه”، في أن طباع بعض الأشخاص ممن حولنا، وقد نحسن إليهم، ونقدم إليهم المساعدة، ونبذل أقصى ما بوسعهم من عطاء، حتى يرتقوا ويصبحوا في أفضل الأماكن، ولكن أيًّا كان لا يستطيع أن يغيّر سوء طباعهم، ولن يكون منهم في النهاية سوى نتيجة واحدة، وهي أن الطبع السيء يغلب التطبع، وأحيانًا الطبع السيء قد ينتصر على الأفعال الجيدة، لذا يجد الإنسان نفسه لا يجني من هؤلاء شيئًا سوى الألم، والجحود و الحقد والغلّ ونكران الجميل.


شارك المقالة: