تُعتبر الأمثال عامة انعكاسًا واقعيًّا للمواقف التي مر بها السابقون، إذ إنهم تمكنوا ببراعتهم وإتقانهم وإجادتهم للغة العربية، أن يقوموا بتحويل هذا الواقع إلى حكم وأمثال يتناقلها الأجيال، جيلاً تلو الآخر، كما أن وراء كل مثل شعبي حكاية، جعلته يترسخ في عقول الكثيرون، لذا ففي السطور القادمة، نقدم لكم واحد من أشهر تلك الأمثال الشعبية وهو مثل”ارحموا عزيز قوم ذلّ”.
لمَ يُضرب مثل ارحموا عزيز قوم ذلّ؟
يُعدّ مثل “ارحموا عزيز قوم ذلّ”، من أكثر الأمثال العربية المتداولة والمشهورة بين المجتمعات العربية إلى يومنا هذا، ويُضرب المثل على من أصابته تقلبات الدهر، ودعته الحاجة إلى الناس، فبعد أن كان عزيزًا ذا مال وجاه، صار صفر اليدين، ومن هنا انطلق هذا المثل ليُرحم هؤلاء من قسوة الناس، وذلهم، وللمثل قصة حدثت مع امرأة من قبيلة طيء في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وصاحب المثل هو رسولنا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
قصة مثل ارحموا عزيز قوم ذلّ:
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بإرسال جنده إلى قبيلة طيء، بقيادة علي بن أبى طالب رضي الله عنه، فخاف زعيم القبيلة عدي بن حاتم الطائي وفرّ إلى الشام، وكان وقتها من أشد الناس عداء لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأخذ الجند الغنائم والخيل والنساء، وأسروهم، وعادوا بهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وكان من بين الأسرى سفانة بنت حاتم الطائي، والتي وقفت بين يدي الرسول وقالت: “يا محمد، لقد هلك الوالد، وغاب الوافد، فإن رأيت أن تخلي عني، ولا تشمت بي أحياء العرب، فإن أبي كان سيد قومه، يفك العاني، ويقتل الجاني، ويحفظ الجار، ويطعم الطعام، ويفرج عن المكروب، ويفشي السلام، ويعين الناس على نوائب الدهر، وما أتاه أحد، ورده خائبًا قطّ، أنا بنت حاتم الطائي”.
حينها قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: والله، إن هذه من أخلاق المسلمين، لو كان والدك مسلمًا لترحمنا عليه، وقال اتركوها، فإن أباها كان محبًّا لمكارم الأخلاق، وقام بفكّ أسرها ومن معها، إكرامًا لصفات أبيها، وقال صلّى الله عليه وسلم: “ارحموا عزيزا ذل، وغنيا افتقر، وعالم ضاع بين جهال”، فلما سمعت بذلك، دعت له، وعادت إلى أخيها عدي بن حاتم الطائي، وأخبرته عن كرم الرسول وعفوه، وأنه أرق الناس خصالًا، يحب الفقير، ويفك الأسير، ويرحم الصغير، ويعرف قدر الكبير، وليس هناك أجود منه، ولا أكرم، فلما سمع بذلك عدي، أدرك أن الإسلام مثل نبيه، يدعو لمكارم الأخلاق، فقدم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، هو وأخته سفانة، ودخلا الإسلام، فكانت رحمة النبي بهم، هي السبيل لهدايتهم، صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين.