اطرقي وميشي

اقرأ في هذا المقال


جميع الشّعوب في هذا العالم تمتلك الموروثات الثقافيّة التي تميّزها عن غيرها، وهي بدورها تعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعلّ من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، حيث يقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصليّ الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبّرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “اطرقي وميشي”.

فيم يضرب مثل: “اطرقي وميشي”؟

لا يخلو الموروث العربي من الحكم والأمثال، والتي قد تكون ضمّتها أمّهات القصائد لكبار شعراء العرب، وغالبًا ما وُلدت هذه الأمثال نتيجة وقائع وأحداث أثّرت في حياة أصحابها، وصارت كنزًا من الحكمة والخبرة يتوارثه الأجيال ليُصاغ مرارًا وتكرارًا في مواقف تشبه الموقف الأصلي، وأمّا مثل: “اطرُقي وميشي”، فهو من أمثال العرب القديمة، وهو يُضرب فيمن يخلط في حديثه بين الخطأ والصّواب.

مفردات مثل: “اطرقي وميشي”

أمّا الطّرق في معاجم اللغة، فهو: أن يُضرب الصّوف بالمطرقة، وأمّا الميش، فهو: أن يُخلط الشّعر بالصّوف، وقد ورد هذا المثل في بيت من الشّعر، إذ قال رؤبة: “عازل قد أولـــــــــــعتِ بالترقيش    إليّ سرًّا فاطرقــــــي وميشي”، وقد قصد: يا عازلة، فحذف التّاء للتّرخيم، وكما إنّه حذف حرف النداء، وهذا لا يجوز إلّا في أسماء الأعلام.

أمّا قول العرب: صاحِ وعازلُ، فإنّما حذف منهما لكثرة الاستعمال، وعلم المخاطب، والترقيش، هو: التزيين ونصب سرًّا على التمييز وتقديره، وأولعت بترقيش سرّ بإضافة المصدر إلى المفعول، لكنّه فكّ الإضافة بإدخال الألف واللام، فخرجت كلمة “سرّ” مميزًا ويجوز أن يكون نصبًا على الحال.

تفسير أهل اللغة لمثل: “اطرقي وميشي”

مثل: “اطرقي وميشي”، كما أسلفت يقال في المواقف التي يخلط المرء فيها في كلامه بين الخطأ والصواب، وقد قال أبو عبيدة: “إنّ الميش أن تخلط صوفًا حديثًا بنكث صوف عتيق، ثم تطرقه أي تندفه“، وقال هو يضرب في المزاول ما لا يتّجه له، قال أبو منصور: “أي اخلطي ما شئتِ من القول“، وقال: “الميش خلط الشعر بالصوف”، كذلك فسره الأصمعي وابن الأَعرابي وغيرهما، ويُقال: ماش فلان، إذا خلط الكذب بالصدق، والكسائي قال: “إذا أخبر الرجل ببعض الخبر وكتم بعضه قيل مذع وماش“، وماش يميش ميشًا إذا خلط اللبن الحلوّ بالحامض، وخلط الصوف بالوبر، أو خلط الجدّ بالهزل.


شارك المقالة: