الأدب الأندلسي ما بين التأثير والتأثر

اقرأ في هذا المقال


تأثر الأدب والنثر في الأندلس بأدب المشرق العربي بشكل ملحوظ، وها نحن نرى أسلوب المشارقة يطغى على أسلوب أدباء العصر الأندلسي، وكانوا مقيدين فيه، ولكن ولعدة أسباب ظهرت على الحياة الأندلسية استطاع الأدب الأندلسي من فك القيود والتحرر، وسنتناول في هذا المقال مدى التأثر والتأثير الذي أثر على الأدب الأندلسي.

التأثير والتأثر في الأدب الأندلسي

يعتبر الأدب والنثر وكذلك الشعر الأندلسي ما هو إلا تكملةً وامتداد للأدب والنثر والشعر المشرقي، فنرى التأثر واضح على الأندلسيين بشكل واضح ومباشر في الآداب المشرقية، وكذلك المغربية والثقافية الأوروبية كذلك،  والكل يعلم جيدًا أن العرب هم من فتحوا الأندلس أو كما عرف عنها بأسبانيا وسكنوا فيها، واتخذوها وطنًا لهم.

كما هو معروف أن العديد من الجيوش العربية شاركت في فتح الأندلس فقد قدم إليها جنود من سوريا والأردن وكذلك فلسطين ولبنان والعراق، واستقروا في هذه البقعة من الأرض، وأخذوا بنقل أدبهم وثقافتهم إلى الأندلس.

وأخذ الأدب الجديد بالسيطرة والتأثير في أدب الأندلس، وقد استمر أدباء المشرق العربي الذين سكنوا الأندلس في الكتابة على نفس طريقتهم في المشرق العربي، ومثال على هذا التأثير في الأدب الأندلسي ما كتبه ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد، وعندما استقر المشارقة في الأندلس ووصل إليهم العقد الفريد قالوا فيه أنه بضاعتهم وها هي ردت إليهم، ويفهم من هذا الكلام أن ما يحتويه كتاب العقد الفريد من أدب أندلسي هو نسخة طبق الأصل من الأدب في المشرق العربي.

ولكن ولعدة أسباب وعوامل ظهرت في الأندلس لم يستمر هذا التأثير طويلًا، وانعكست الصورة وأصبح الأدب العربي يتأثر وينصهر بأدب وثقافة أهل الأندلس وانشغلوا عن أدبهم وثقافتهم الشرقية، وبسبب التزاوج والمصاهرة التي حصلت بين أهل الأندلس والمشرق العربي أدى ذلك إلى ظهور أجيال جديدة لا تعلم شيئًا عن الأدب المشرقي، فكانت الأندلس هي وطنهم وأدبهم وشعرهم منبثق من الأدب الأندلسي.

مظاهر التأثير والتأثر في الأدب الأندلسي مع الشرق

كان من البديهي أن يستمر أدباء المشرق العربي بعروبتهم وأدبهم وثقافتهم، فكانت ذات طابع شرقي، واستمروا باستخدام الألفاظ التي تتحدث عن الصحراء، ووقوفهم على الأطلال، لأن هذا هو المعروف عن طبيعة البيئة المشرقية بأنها صحراء قاحلة، استمروا بوصف الصحراء على الرغم من طبيعة الأندلس الخضراء، فهنا نرى في أدبهم الحنين والشوق لبلادهم ومثال على ذلك قول الشاعر:

تبدَّت لنا وسط الرصافة نخلةُ

تناءتْ بأرض الغرب عن بلد النخل

فقلت شبيهي في التغرُّب والنوى

وطول التنائي عن بَنِيَّ وعن أهلي

نشأت بأرض أنتِ فيها غريبةُ

فمثلك في الإقصاء والمنتأي مثلي

سقتك غوادي المزن من صوبها الذي

يسحُّ وتستمري السَّماكين بالوبل

هنا نشاهد قوة العلاقات والروابط بين العربي والصحراء ومدى شوقه لها وأنه يشعر بالغربة في الأندلس، فهو يذكر كل شيء يتعلق بالبيئة الصحراوية، ويذكر المناطق المشرقية في شعره مثل مدينة الرصافة في الشام، فيتمنى العودة إلى أهله وبلاده التي طال غيابه عنهم.

واستمر هذا الشعور يسيطر على شعراء وأدباء المشرق في الأندلس فترة طويلة من الزمن، ولكن نرى شعراء الأندلس قد تأثروا بشعراء المشرق العربي حتى أنهم تسموا بأسماء أُدباء المشرق، مثلًا نرى ابن هاني يلقب بالمتنبي لتأثره الشديد ومدى تعلقه به، وكذلك تأثروا بأبي تمام، والبحتري.

مظاهر التأثر في الأدب الأندلسي مع البيئة الأندلسية

عندما فتح العرب الأندلس واستقروا فيها، بدأت عملية التعارف هنا فتعرفوا على البيئة الأندلسية الرائعة، وتغلغلوا في حضارتها المتجذرة واطلعوا على عادات وتقاليد أهل الأندلس، ومن هنا بدأ التعارف والتفاعل وبدأ التأثر يظهر ويسيطر عليهم شيئًا فشيئًا، وهنا بدأوا بالتخلي عن ثقافتهم وأدبهم وحتى حنينهم لبلادهم، فهنا سيطرت البيئة الأندلسية على أهل المشرق، وجعلتهم يتخلون عن بلادهم، وأصبحت الأندلس هي البديلة لبلادهم.

بدأ الشاعر المشرقي بنظم الشعر حسب ما تفرضه عليه البيئة الأندلسية، فيظهر تخليهم عن معجمهم اللغوي المشرقي، واختفت الألفاظ التي تخص الصحراء وبلاد المشرق العربي، وتوجهوا إلى نظم قصائدهم مستخدمين الألفاظ التي تتناسب مع الطبيعة الأندلسية الخضراء، فنظموا شعرهم واصفين جمال الطبيعة الخلابة، والمدن الأندلسية وغير ذلك مما يخص الأندلس، وبذلك تفرد أهل الأندلس بأدب خاص متحررين من القيود المشرقية، مثال على ذلك قول الشاعر:

لله نهرٌ سال في بطحاء

أشهى ورودًا من لمى الحسناء

متعطفٌ مثل السوار كأنه

والزهر يكنفه مجرُّ سماء

قد رقَّ حتى ظُنَّ قرصًا مُفرغًا

من فضَّةٍ في بُردةٍ خضراء

وغدت تحفُّ به الغصون كأنها

هدبٌ يحفُّ بمقلةٍ زرقاء

في الأبيات السابقة يظهر التأثر الشديد بالطبيعة الأندلسية الخلابة، وتناول الشاعر وصف نهرًا من أنهار الأندلس الذي فتن بجماله وجمال الطبيعة التي يمر بها هذا النهر مستخدمًا أروع الصور وأجمل الألفاظ.

وفي النهاية نستنتج أن الأدب الأندلسي تأثر بالأدب المشرقي، وفي نفس الوقت كان له تأثير واضح في أدب الدول الأخرى خصوصًا المشرق العربي، الذين تخلوا عن أسلوبهم المشرقي وصورهم وألفاظهم المشرقية التي كانت ترمز إلى البداوة المشرقية، ولجأوا إلى الصور والألفاظ الأندلسية.


شارك المقالة: