أسطورة الطوفان العظيم

اقرأ في هذا المقال


الطوفان العظيم هي قصة أسطورية عن الدمار الكبير الذي حل بالأرض ذات يوم حسب الأساطير اليونانية، حيث كان هناك العديد من المتغيرات والنسخة الكتابية هي الأكثر شهرة، ولا يمكن استبعاد احتمال وجود حدث تاريخي وراء القصة أي أن يكون هوما حدث من فيضان محلي في جنوب بابل في القرن الثامن والعشرين قبل الميلاد.

النسختان اليونانية والرومانية من أسطورة الطوفان العظيم

لم تكن أسطورة الطوفان العظيم من بين القصص الأكثر شعبية في اليونان وروما وبالكاد نجد أي صور لبطلي النسخة الغربية من الأسطورة ديوكاليون وبيرها، وأحد الأسباب هو أنّ الإغريق لم يكونوا خائفين من الماء بطريقة مماثلة للبابليين، حيث فاض نهرهم دجلة والفرات عندما نضج القمح والشعير: في اللحظة الخطأ، وكان فيضان النهر كارثة بالفعل، ومن ناحية أخرى اعتمدت الزراعة اليونانية على هطول الأمطار ولم يكن اليونانيون يعرفون ما يعنيه فيضان النهر.

يمكن العثور على أقدم إشارة إلى الطوفان العظيم في الأدب اليوناني في أعمال إبيكارموس شاعر كوميدي من صقلية يمكن تأريخ نشاطه إلى الربع الأول من القرن الخامس قبل الميلاد، ومن الممكن أن يكون هسيود قد أشار أيضًا إلى الطوفان لأنّه يشير في جزء من كتالوج النساء إلى ديوكاليون، وإذا كان الكتالوج أصليًا وهو ما لا نعرفه على وجه اليقين فإنّ أسطورة الطوفان كانت موجودة في اليونان قبل حوالي 600 قبل الميلاد، وفي القرن الثاني قبل الميلاد أعيد سرد القصة لفترة وجيزة في (The Library) وهو عمل منسوب إلى أبولودورس الإسكندرية، وفي القرن الأول الميلادي فعل المؤلف الروماني هايجينوس الشيء نفسه في سطرين، وأطول نسخة كتبها الشاعر الروماني أوفيد.

وحسب الأسطورة فأنّ التمرد يبدأ من قبل كائنات أقل خارقة للطبيعة -أي العمالقة في هذه الحالة- ورواية للخطيئة البشرية، مما يجعل زيوس أو المشتري يقرر تدمير العالم، وديوكاليون قام ببناء سفينة بناءًا على والده بروميثيوس خالق البشرية.

ديوكاليون وعلاقته بأسطورة الطوفان العظيم

ديوكاليون (Deukaliôn) هو ابن بروميثيوس وكليمين وكان ملكًا في فتحية (Phthia) وتزوج من بيرها، وعندما قرر زيوس بعد العلاج الذي تلقاه من ليكاون تدمير العرق المنحط من البشرية الذين سكنوا الأرض، فبنى ديوكاليون بناءً على نصيحة والده سفينة وحمل فيها مخازن المؤن، وعندما أرسل زيوس فيضانًا في جميع أنحاء هيلاس مما أدى إلى تدمير جميع سكانها ولكن تم إنقاذ ديوكاليون وبيرها وحدهما بواسطة السفينة التي بناها، وبعد أن طافت سفينتهم لعدة أيام هبطت وفقًا للتقاليد الشائعة على جبل بارناسوس وهبط آخرون على جبل أوثريس في ثيساليا أو على جبل آثوس أو حتى على إيتنا في صقلية.

ربما لا تكون هذه الاختلافات في القصة سوى تقاليد محلية وبنفس الطريقة كان يعتقد في عدة أماكن أنّ ديوكاليون وبيرها لم يكونا الشخصين الوحيدين اللذين تم إنقاذهما، وهكذا نجا ميغاروس ابن زيوس باتباع صراخ الرافعات مما قاده إلى قمة جبل جيرانيا، وقيل إنّ سكان دلفي قد نجوا من خلال اتباع عواء الذئاب مما قادهم إلى قمة بارناسوس حيث أسسوا ليكوريا والذي قد يرفه ديوكاليون.

سبب حدوث الطوفان حسب الاسطورة

بعد العصر الذهبي جاء وقت بدأ فيه الإنسان يتشاجرون مع بعضهم البعض، ثم أرسلت الآلهة صيفًا حارًا وشتاءًا باردًا، فصنع الإنسان لنفسه أماكن للعيش فيها في الغار والكهوف حيث يمكن حمايتهم من أشعة الشمس الحارقة في الصيف ومن الرياح الباردة في الشتاء، ثم حرثوا الأرض وزرعوا الحبوب التي كانوا يفرغونها من أجل الطعام خلال موسم البرد، ومع تقدم العالم في السن أصبح الإنسان أكثر إثارة للجدل حيث أخيرًا حفروا الذهب من الأرض فكان موجودًا لفترة طويلة وحفروا الحديد أيضًا، وتشاجروا بأسى أكثر من أي وقت مضى حول حيازة الذهب الأصفر اللامع الذي وجدوه والأسوأ من ذلك كله أنّهم صنعوا سكاكين حادة وأسلحة أخرى من الحديد وتقاتلوا بشدة مع بعضهم البعض.

بعد ذلك كانت السرقة والقتل والعديد من الجرائم الأخرى شائعة على الأرض، وازدادت الأمور سوءًا حتى أصبحت حياة الإنسان غير آمنة في أي مكان، وأخيرًا في كل العالم كان هناك شخصان فقط استمروا في التضحية بالآلهة، وكان هذان الاثنان هما ديوكاليون (Deucalion) وبيرها (Pyrrha) اللذان كانا صالحين ولطيفين مثل الأشخاص الذين عاشوا في العصر الذهبي.

جوبيتر أو كوكب المشتري (Jupiter) أبو الآلهة نظر إلى أسفل من جبل أوليمبوس ورأى كيف نمت شعوب الأرض الأشرار وقرر أنّه سيدمرهم جميعًا، فأغلق ريح الشمال في كهوف أولس وأرسل ريح الجنوب من أجل
الرياح الجنوبية كانت الرياح التي ستجلب المطر، وتجمعت السحب فوق كل الأرض وبدأت قطرات كبيرة من المطر تتساقط ببطء في البداية ثم بشكل أسرع وأسرع، وهطلت السماء حتى أصبحت الحبوب مسطّحة في الحقول ولم تضيء الغيوم ولم يتوقف المطر عن التساقط، ثم فاضت الأنهار على ضفافها واندفعت فوق السهول واقتلعت الأشجار الكبيرة وحملت المنازل والماشية والرجال.

كان البحر وكذلك الأنهار يتدفقون على الأرض حتى الدلافين تلعب بين أغصان أشجار الغابات، وقد تكون حوريات البحر أيضًا قد شوهدت تختلس النظر من بين أشجار البلوط الكبيرة، ولا يزال المطر لا يتوقف أبدًا والماء يرتفع أعلى وأعلى، فشق الإنسان والحيوانات طريقهم إلى التلال قدر استطاعتهم حيث كانت الذئاب والأسود والنمور تعيش جنبًا إلى جنب مع الأغنام أو الماشية وكل ذلك في خطر مشترك واحد، وشقوا طريقهم أولًا إلى التلال ثم إلى الجبال ولكن المياه كانت تتسلل إلى أعلى حتى اختفت جميع الجبال ما عدا قمم الجبال العالية عن الأنظار.

أخيرًا عندما توقف المطر وانقطعت الغيوم قليلًا بقيت فقط قمة جبل بارناسوس وهو أعلى جبل على الإطلاق فوق الماء، وكان ديوكاليون وبيرها يبحران في سفينة صغيرة تمكنوا من الحفاظ عليها طافية، وعندما رأوا أنّ قمة جبل بارناسوس لا يزال خارج الماء رسوا سفينتهم هناك وضحوا للآلهة.

انتهاء الطوفان العظيم

الآن كما رأي كوكب المشتري أنّ ديوكاليون وبيرها ليسوا شريرين مثل بقية البشر حيث لم يبقى سوى هذين الشخصين، فأمر كوكب المشتري بأرسال الرياح الشمالية لتفجير الغيوم، ثم أرسل نبتون إله البحر رئيسه تريتون لينفخ بوقًا طويلًا ملتويًا فسمع البحر وعاد إلى المكان الذي ينتمي إليه بحق.

عندما سقطت المياه بسرعة ظهرت الأرض مرة أخرى ولكن يا له من تغيير! كان كل شيء مغطى بطبقة كئيبة من الطين الأصفر، وقد كان ساكنًا جدًا وليس هناك صوتًا من أي كائن حي! ثم شعر ديوكاليون وبيرها كما لو أنّ صوت الشجار سيكون أفضل من هذا الصمت التام، وكان معبد أحد الآلهة على مقربة منه مع حوافه ومغطى بالطين، فشعر ديوكاليون وبيرها بإحساس الرفقة في رواقها المألوف لذلك ذهبوا وجلسوا هناك في الظل متسائلين ماذا سيحل بهم وهما وحدهما في مثل هذا العالم العظيم.

ثم قال لهم صوت غامض أن يرموا عظام والدتهم العظيمة خلفهم وبدا وكأنه صوت ودود، ولكن لا ديوكاليون ولا بيرها يمكن أن يتخيلوا ما هو المقصود بقول: “عظام أمهم العظيمة”، وبعد أن احتاروا من الأمر لبعض الوقت توصلوا إلى استنتاج مفاده أنّ أمهم العظيمة يجب أن تعني أمنا الأرض، وأنّ عظامها يجب أن تكون الحجارة التي تدور حولهم، فقاموا ووجوههم نحو الهيكل وألقوا الحجارة خلفهم، وعندما استداروا ليروا ما حدث وجدوا أنّ الحجارة التي رشقوها قد تغيرت إلى رجال ونساء، وبهذه الطريقة بعد الطوفان العظيم عادت الأرض إلى الناس ولكن يُخشى أن يكون لبعض الناس من هذا الجنس الجديد قلوبهم صلبة مثل الحجارة التي صنعوا منها.


شارك المقالة: