الإرادة الحرة في فلسفة جرين

اقرأ في هذا المقال


الإرادة الحرة في فلسفة جرين:

يبدو أنّ جرين يجادل في نفس الوقت بأنّ الإرادة يجب أن تكون وقد لا تكون حرة، ومع ذلك فإنّ النقطة المهمة التي يجب فهمها هنا هي أنّه حتى هذه النقطة كانت تصريحات جرين معنية فقط بمعنى واحد لمصطلح الحرية، وأن تنشأ الإرادة من الدافع الأقوى (الرضا عن النفس)، وأنّ هذا بدوره ينشأ في ظروف الشخص وشخصيته له آثار جذرية، وإنّ فحص عدم قدرة شخصية الفرد على تحديد إرادة الفرد بشكل كافٍ لكي يكون الإجراء حراً حقًا يساعد في تفسير سبب أهمية الظروف كما يستخدم جرين المصطلح لممارسة الإرادة الحرة تمامًا، وتحدد الظروف والشخصية أفعال الإرادة بإعطاء الفرد دوافعه المحددة ومن خلال إعطاء دوافعه قوتها النسبية.

أفعال الإرادة بحكم الظروف:

وبعبارة الظروف لا يعني جرين مجرد الموقف المباشر الذي يتخذ فيه الفرد قراره الخاص إلى جانب أسبابه السابقة، ويقصد بالإضافة إلى ذلك حالة الفرد الصحية والطريقة الخارجية لحياته بما في ذلك الترتيبات العائلية والطريقة التي يحافظ فيها على نفسه وعائلته، ومستوى التوقعات الاجتماعية من جانب أولئك الذين يعترف بأنّه مساو له، ويتم تحديد الرضا الذاتي للفرد من خلال ظروفه.

وبالتالي فإنّ الظروف تشكل بالضرورة إرادته الحرة الخاصة، وفي الوقت نفسه يشكل العقل البشري هذه الظروف من أجل تعزيز التجسيد الواضح المتزايد للوعي الخارجي في العالم، وقد يبدو غريباً أنّ يجادل جرين بأنّ إرادة الفرد (التي هي بحكم التعريف حرة) يتم تحديدها جزئيًا على الأقل من خلال أشياء تبدو خارجية بالنسبة له، ومع ذلك فإنّ تأثير الظروف هو جزء أساسي من الإنسان وبدون تأثيرات مثل هيكل عائلته والتوقعات الاجتماعية (وبالتالي العادات وقيم المجتمع)، يجب على الفرد أن يخلق شخصيته الخاصة من الفكر الخالص، وهو ما لا يمكنه فعله يجب فحص هذا الادعاء بعمق أكبر.

أفعال الإرادة بحكم الشخصية:

وبكلمة (شخصية) يعني الأخضر الوعي الأبدي على الأقل التكاثر الجزئي لنفسه داخل شخص معين، السؤال المعقد المتمثل في اتخاذ قرار بمزيد من التفصيل بشأن الوعي الأبدي ستتم مناقشته لاحقًا وبفضل هذا التكاثر ويكون الفرد ويعترف بنفسه على أنّه فاعلًا أخلاقيًا – باعتباره فاعلًا قادرًا على التصرف عمداً بطرق التي هي إما تستحق الثناء أو اللوم.

الاختيار في مفهوم الرغبة لدى جرين:

وتتضمن الرغبة الاختيار ولذلك يجادل جرين بأنّ العقل مركزي للحرية لأنّه من خلال استخدام عقلانية المرء يجعل الفاعل يختار، ويرى جرين أنّه “بالعقل بالمعنى العملي يقصد القدرة من جانب الفرد على تصور حالة أفضل لنفسه كغاية يتم تحقيقها من خلال العمل” وثم يتم ربط العقل والإرادة بطريقة تسمح للفرد بالسعي للوصول إلى المثل الأعلى، والذي يُفهم على أنّه حالة من الأمور التي يفضلها الفرد على وضعه الحالي.

على سبيل المثال يسمح لي العقل بتصور حالتي الحالية على أنّها تتحسن من خلال تطوير مواهبي في الرسم، وأكثر من ذلك يرى جرين أنّ عقل الإنسان في حالة متخلفة لدرجة أنّه يفشل في الاعتراف بالهدف المطلق للإنسان باعتباره تحقيق تلك المجموعة من الظروف والشخصية التي تتوافق مع الانسجام النهائي للعالم، وما يحصل عندما يكون الوعي الأبدي واضحًا تمامًا في العالم.

علاوة على ذلك فإنّ إرادة الفرد تكون حرة حقًا فقط عندما يجتذب العقل الإنسان لاختيار تلك الحالة التي يفضلها تمامًا بهذه الطريقة، وهذا يعني أنّه عندما لا يكون الوعي الأبدي صريحًا تمامًا في العالم، فإنّ العقل لن يدرك بالضرورة نفس الغاية كصالح، وبعبارة أخرى عندما يصبح الوعي الأبدي مجرد هذا المبدأ المدرك للذات بالشكل الذي يتخذه كما يريد، ويميل في أحسن الأحوال فقط إلى المصالحة مع نفسه في الشكل الذي يتخذه كعقل، ولكن ماذا يعني هذا الافتراض الغامض في الواقع؟

إنّ العمل غير المعوق للوعي الأبدي من خلال الممارسة الحرة للفرد للعقل هو شرط أساسي لعمل إرادته الحرة المطلقة، وتحدد الدرجة التي يكون فيها الوعي الأبدي ضمنيًا فقط في أفعال الفرد الدرجة التي يكون فيها الفرد قادرًا على ممارسة الإرادة الحرة، وبعبارة أخرى لا تكون إرادة الإنسان حرة إذا كانت الأشياء التي يريدها تتعارض مع قانون كيانه، وإنّه حر بالقدر الذي يريده تجسيدًا للوعي الأبدي.

الرضا عن النفس في فلسفة جرين:

بعبارات أكثر تحديدًا فإنّ ما يسعى إليه الفاعل الأخلاقي في النهاية (وبالتالي حقًا) هو الإدراك الكامل لقدراته الأخلاقية، وهذا هو سلعته الدائمة، ولسوء الحظ نظرًا لأنّ هذه القدرات الأخلاقية لا تتحقق في الوقت الحالي إلّا جزئيًا، فلا يمكن للإنسان أن يفهم تمامًا ما هي عليه، ولا يمكن أن تُعرف إلّا بالسلب حتى في المرحلة الحالية من تطور الفرد المتحضر، ومن خلال هذا يعني جرين أنّه على الرغم من أنّه لا يمكن للمرء أن يعرف أي حالة هي الأفضل تمامًا للإنسان، إلّا أنّه من الناحية العملية سيتمكن المرء عادةً من التعرف على الخيارين الأفضل.

ومع ذلك بينما يظل العقل متخلفًا ويظل الحكم البشري غير كامل، وإحدى نتائج ذلك هي أنّ الوعي الأبدي نفسه يمكن أن يكون مصدر كل من الفضيلة والرذيلة، وإنّه مصدر الرذيلة عندما يدفع الفرد إلى السعي وراء الذات بطريقة تؤدي إلى نتائج عكسية مثل عندما يرغب في بلوغ المتعة في حد ذاتها كغاية نهائية.
والأهم من ذلك يجادل جرين بأنّه مع تطور العقل سوف يدرك الفرد أنّ هناك نموًا مرتبطًا بالمؤسسات والعادات التي تميل إلى تحقيق رفاهية كل رفاهية، وبهذه الطريقة فإنّ تطور العقل في العالم يجعل دور وأهمية (الظروف) في تحديد إرادة الفرد أكثر وضوحًا، ويجب إعطاء قدرات الفرد محتوى حتى يمكن تحقيقها مما يجعله راضيًا حقًا وكاملًا كشخص.

وتحدث عملية تحقيق الذات هذه فقط للأفراد وداخلهم، ومع ذلك لا يتم دفعها بوعي من قبل الأفراد، وبعبارة أخرى في البداية على الأقل لم يكن ذلك نتيجة اختيارهم الواعي، حيث يتطور الفرد من خلال تسامي الرغبات والغرائز التي يشعر بها في البداية مجرد انبعاث من اللاوعي.

ومن المفيد تلخيص الحجة إلى هذه النقطة، حيث توجد السمة المميزة للإرادة الحرة حقًا في الكائن الذي يتم توجيهها إليه، وهذا الشيء الذي هو الأفضل سيكون النهاية التي يمكن أن يجد فيها جهد الفاعل الأخلاقي الراحة حقًا، ومن خلال تحقيق هذا الهدف -(الحالة) بدقة- يكتسب الفرد أكبر قدر من الرضا عن النفس، وبهذا المعنى فإنّ بلوغ هذا الهدف هو ما يريده الفرد حقًا، ولهذا السبب لا ينبغي الخلط بين الرضا الذاتي وإشباع أقوى رغبة لدى المرء.

في الواقع بمجرد وصول الفرد إلى مرحلة معينة من التطور لا يمكن اتباع أقوى رغبة إذا كانت تتعارض مع شخصية الرجل قوة شخصيته تتغلب على قوة الرغبة والدافع الذي يحدد الإرادة ليس رغبة في هذه الحالة، بحيث الأول هو التحديد المعتاد لما يعتبره الفرد مصلحته الدائمة، بينما هذا الأخير عندما يكون مدمرًا لا يتوافق مع اتجاه الفرد الثابت لنفسه تجاه أشياء معينة يسعى فيها عادة إلى الرضا، وبالتالي فهو يتعارض مع حريته الحقيقية على الرغم من أنّها قد تكون على مستوى ما جزءًا من إرادة الفرد.


شارك المقالة: