الإيقاع المعنوي في الصورة الشعرية

اقرأ في هذا المقال


يعدُّ الكلام المنظوم تعبيرًا عن موسيقى الوجود، وبذلك تظهر مكانة اللغة المشرقية اللينة القادرة على المناورة فهي لا تنبع من الأنا الناطقة بل من نواميس الكون والوجود، وتعتبر اللغة من أسمى درجات التعبير عن النفس والإيقاع مرافق للشعر سواء أكان قديمًا أو حديثًا، ولا يمكن الفصل بينهما أو جود الكلام المنظوم بدون موسيقى وفي هذا المقال سنتحدث عن الإيقاع في الصورة الشعرية.

مفهوم الصورة الشعرية

لغة: الصورة أساس الشيء وصفته، فنقول صورة الرجل أي شكلُه، وصورة العبارات أي مفرداتها، وصوره الفكرة حكايتها وصياغتها، والصورة الأدبية هي المفردات والتراكيب التي تدل على الفكرة.

اصطلاحًا: هي الهيئة التي تتشكل فيها التراكيب سواء كانت واقعية أو مجازية كما تُعد جوهر الأدب تتغير بتبدل معاني الشعر ونظرياته ويقول الجرجاني عنها: “واعلم أن قولنا الصورة إنما هو تمثيل قياس نعلمه بعقولنا على الذي نراه بأبصارنا.”

الصورة الشعرية من المنظور الحداثي

حازت الصورة الشعرية في العهد الحديث على اهتمام شديد من قبل العلماء والباحثين وحصل مفهوم الصورة على مكانة كبيرة من الدراسات الأدبية.

إذا توجهنا إلى مفهوم الصورة عند النقاد المعاصرين نراها لدى الزيات أنها إظهار المعنى الذهني وتعني ابتكار المعاني المجردة مع الواقع المحسوس من خلال الذات خلقًا جديدًا.

ويرى الناقد أنها المكونات التي تتألف منها اللغة بإثباتات بيانية وإيقاعية معتمدًا على الخيال الذي يربط بين عناصر الاستعارة والتشبيه والطباق، ومن هذا المفهوم من الممكن القول أن الصورة الجيدة تمكنها من نقل الخواطر والأحاسيس بصدق وأمانة وهي التراكيب الخارجية الدالة على العواطف الداخلية وقال العقاد:

” إن الصورة الشعرية عند الشاعر تتجلى في قدرته البالغة على نقل الأشكال الموجودة كما تقع في الحس والشعور والخيال أو هي قدرته على التصوير المطبوع لأن هذا في الحقيقة هو من التصوير كما يتاح لأنبغ نوابغ المصورين.”

أهمية الصورة الشعرية

من ناحية علاقة الصورة بالمعنى: حيث تتكون في الذات ثم تأتي المفردات لتوضحها عن طريق النطق، ولقد قال الجرجاني أن المفردات ما هي إلا خدم مُسخّرة لخدمة المعاني التي هي المتحكمة وصاحبة السيادة والمستحقة للطاعة والخضوع لها.

وتمكن أهمية الصورة في النمط الذي من خلاله تجذب الانتباه للمعنى الذي تصوره، والأسلوب الذي بواسطته ينتج  تفاعل مع المعنى فهي تفرض على المستمع نوعًا من اليقظة والانتباه.

وظيفة الصورة الشعرية

1- توضيح تجربة الشاعر: حيث أنه تتولد في أعماق نفسه العديد من الانفعالات، حيث تجعله بحاجة لوسيلة يعبر عنها وتكمن هذه الطريقة في الصورة.

2- نقل التجربة للمتلقي: تعتبر الصورة الشعرية هي أداة الأديب التي بواسطتها يخرج ما بقلبه وإظهاره للمتلقين.

3- تقوية المعنى في النفس: فالصّورة توضح المعنى وتبعده عن الغموض في تدبر المتلقي بالفكرة وترسخ في ذاته.

4- الإبانة والتوضيح: تدل على قوة البلاغة في الصورة وتأثيرها من خلال الشرح والتفسير.

وسائل تشكيل الصورة الشعرية

1- الحس.

2- الخيال.

3- التشبيه.

4- الكناية.

5- الاستعارة.

الإيقاع والصورة الشعرية

إن المتمعن في أدب أمهر رواد الكلام المنظوم يرى أسلوبهم في إطلاق العنان للصوت والموسيقى ويجعلها تؤثر في نفس المتلقي كما يشاء، ومن غير الممكن تحديد الإيقاع إلا بواسطة الكلام المنظوم الذي يُعدُ إبداع قولي مادته الأصوات التي حين يكون لها إيقاعًا وجرسًا كانت ذات دلالة واضحة لها أثر في نفس المتلقي، ويتحدث محمد منذر بخصوص الشعر الغنائي:

” إن العنصر الموسيقي المتمثل في الوزن والإيقاع الانسجامات الصوتية لا يزال بالغ الأهمية في هذا الشعر حتى قال الرمزيون أن الشعر موسيقى قبل كل شيء وإن العنصر الموسيقي فيه يظهر أهمية المعاني والعواطف والصورة الشعرية ذاتها باعتبار أنّ الموسيقى هي أقوى آداة للاتجاه، والشعر عندهم إيحاء أكثر منه تعبيرًا لغويًا صريح واضح.”

نموذج على الإيقاع المعنوي في الصورة الشعرية

إن مقطوعات محمود درويش تعج بالإيقاع المعنوي الذي يعبر عن أحاسيسه وانفعالاته عن طريق لغته التي تقوم بدور رئيسي في التصوير حيث يقول:

مطر على أشجاره و يدي على

أحجاره، و الملح فوق شفاهي

من لي بشبّاك يقي جمر الهوى

من نسمة فوق الرصيف اللاهي

وطني !عيونك أم غيوم ذوّبت

أوتار قلبي في جراح إله

وفي النهاية نستنتج إن الشعر يعد تفسيرًا عن إيقاع الوجود والموسيقى مرافقة للأدب في جميع أوقاته ولا يمكن التفريق بينهما حيث أن للإيقاع وقعٌ في نفس المتلقي ويوضح له المعنى ويزيل عنه الغموض وهي أقوى أداة للاتجاه.


شارك المقالة: