يُعَدّ الأدب في جميع المجتمعات حامل ثقافي واجتماعي عاطفي وفكري وسياسي فهو الذي يعبر عن جوانب الحياة، وقد تطبع الأدب حسب طبيعة المجتمع وحسب جغرافية المكان التي ينبثق منها، ويُعَد الأدب هو المعبر النموذجي عن مكنون المجتمع سواء أكان ذلك عاطفي أو روحي، ومن هنا سنتناول في هذا المقال عن الأدب الأندلسي ومذاهبه.
الأدب الأندلسي
تطور الأدب الأندلسي نتيجة لعِدّة ظروف سواء أكانت ظروف داخل البلاد أو ظروف خارج البلاد، وقد اتسعت رقة الأدب الأندلسي وأصبح تأثيره يمتد إلى خارج جغرافية المكان، وقد انتشر بما يُعرف بالثقافة الأندلسية في الدول المجاورة مثل دول أفريقيا، والمغرب العربي وإسبانيا.
ولقد تنوعت المعاهد الأدبية في هذا العصر وكانت تستقطب الأدباء والمفكرين وحتى الشعراء، ونال الأدب اهتمام كبير من رعاة الأدب والعلم مثل الملوك والأمراء والسلاطين، وكذلك كثرت معاهد الإنشاء ومجالس العلم مما أدى إلى تطور الأدب بسرعةٍ كبيرة.
أنواع الأدب الأندلسي
تنوعت الآداب الأندلسية بتنوع ظروفها وتضاريسها وطبيعة أهلها، حيث بَرَزَ نخبة منهم في جميع مجالات الأدب، وأحدثوا نقلة نوعية في هذا الأدب، ومن الآداب التي سطع نجمها في الأندلس ما يلي:
الشعر الأندلسي
ظهر الشعر في الأندلس مع بداية دخول الداخل إلى الأندلس، ولم يكن يحمل طابع خاص في بداية أمره، وإنما كان وليد الشعر العربي المشرقي ويتقسم الشعر الأندلسي إلى مذهبيين رئيسيين هما:
1ـ المذهب العربي: اتصف هذا المذهب بأنه مذهب قوي مستمد قوته من جزالة اللفظ وكذلك المعنى، ومن شدة التدفق والنتاج، وبرز ابن هانئ الأندلسي في هذا المذهب، واعتبر من أهم شعرائه.
وبرز المذهب العربي رد فعل على الحياة التي كان يعيشها أهل الأندلس من رفاهية وبذخ، ويعد هذا المذهب محارب للاتجاه الحضاري لذا نرى الشاعر يتجه إلى شعر الزهد، وكذلك شعر الطبيعة ويعتبران رد على المسترسلين في الكيدية والمدائح.
قد تمكن العرب من جعل الشعر الجديد قوي يتسم بالطابع البدوي وتأثُرِه بالظروف الخارجية، ومن أشهر أهل الشعر الذين تأثر بهم أهل الأندلس هم المتنبي و البحتري، ولن يفوتنا تأثرهم بأبي تمام، والمعري وغيرهم، وقد تأثر ابن عبدول مثلًا بشعر المتنبي ومن قصائد التي تأثر فيها بالشاعر المتنبي:
هيهات لا أبتغي منكم هوىً بهدى
حسبي أكون محبًا غير محبوب
فما أراحُ لذكرى غيرِ عاليةٍ
ولا ألذُّ بحبّ دون تعذيب
اتجاهات المذهب العربي
لقد تنوعت مناحي المذاهب العربية في الأندلس أبرزها ما يلي:
1ـ الاتجاه الفلسفي: كان منهج أبي العلاء الفلسفي واضح في الشعر الأندلسي، حيث تأثر بمنهجه الفلسفي عدد من أدباء وشعراء البلاد، ونذكر منهم الكلاعي صاحب رسالة السجاعة والغريب وكانت معارضة لرسالة الصاهل والشاحج للمعري.
2ـ الرثاء: لم يهتم العرب في مراثيهم بالشكل إنما توجهوا نحو الموضوع والهدف، حيث أنهم اهتموا في بنية القصيدة، مثل الشاعر الضرير التطلي حيث يقول:
وأعلن صرفُ الدهر لا بني نويرة
بيوم تناءٍ غال كلَّ تداني
وكنا كندماني جذيمة حقبة
من الدهر لو لم تنصرم لأون
3ـ الزهد: أما بخصوص هذا الغرض قد عُرف وظهر مبكرًا في الأندلس بمساعدة أبي زمنين، وتطور فيما بعد بسبب الفوضى السياسية التي دفعت بالكثير إلى البحث عن النجاة الروحية، مما أدى ذلك لاتباع طريق الزهد، ومن أشهر أهل هذا الاتجاه هو السمسير ويظهر فلسفته الزهدية في قصيدته حديقة الحقيقية:
ذهبَ الناس في انفرادي أنيسي
وكتابي مُحدّثي وجليسي
صاحبٌ قد أمنت منه ملالا
واختلالاً وكلَّ خلقٍ بئيس
4ـ الهجاء: توسع الهجاء في الأندلس وأصبح له مساحة كبيرة ومن أشهر أبيات الهجاء ما كتبته ولادة في هجاء ابن زيدون، وكذلك أهاجي القرطبية لولادة، وكان لهذا الاتجاه الشعري نصيب في شعر الزجل لأنه كان ينظم باللغة العامية، ومثال على هذا الاتجاه ما كتبه الأقليشي يحاسب نفسه:
ثلاثون عامًا قد تولت كأنها
حُلومٌ نقضت أو برقٌ خواطف
وجاء المشيب المنذر المرء أنه
إذا رحلت عنه الشبيبةُ تالف
5ـ الهزل: ظهر هذا الاتجاه في الأدب الأندلسي ومن أشهر أهل هذا الأدب أبو عبد الله بن مسعود، وتندر الأندلسيون بأهل الفقه وكذلك القضاة، ومن هزليات ابن مسعود أرجوزة حيث يقول فيها:
جعلتني أسيرةً مملوكة
لطلعةٍ هائلة صُعلوكه
يُعزى على الغال إلى مسعود
وهو شقيٌ ليس بالمحمود
2ـ مذهب المحدثين: قد كان هذا المذهب يعج بالصور الشعرية، كما غلب عليه الطابع الفكري، وولد في هذا المذهب الموشح الذي يعد حركة تجديدية وفيه إعادة إلى الغناء، ويظهر في الموشح جانب الرفاهية والترف في المجتمع.
1ـ الموشح: اهتم أهل الأندلس بالموشح، وكانت الضرورة إلى الغناء في ذلك العصر هي الدافع القوي لظهور هذا الغرض كثر الوشاحين في عصر الطوائف من أبرزهم القزاز ومن موشحاته:
بدر ثم شمس ضحى
غصن نفا مسك شم
ما أتم ما أو ضحا
ما أورقا ما أنم
لا جرم من لمحا
قد عشقا قد حرم
2ـ الزجل: ظهر نوع جديد عن الموشح نتيجة تكلم الناس باللغة العامية، وكثر أنواع الزجل منه ما هو زجل بقصد الغزل أو التصوف وكذلك المديح، ومن أبرز الزجالين ابن قزمان.
النثر الأندلسي
هو جانب مهم من جوانب تطور الأدب حيث تعددت أشكاله من رسائل ومناظرات وخطب وتوقيعات ومقامات وغيره الكثير، وكانت تحمل طابع السخرية في أكثرها، وتسلط الضوء على أمور تافهة وإعادة صياغتها بشكل بطولي، وكثر فيها السجع والمحسنات البديعية، ومن أبرز ناثرين أهل الأندلس ابن حيان، وابن زيدون وغيرهم الكثير.
وفي النهاية نستنتج أن الأدب الأندلسي كان منبع ثقافي اجتماعي فكري وكذلك عاطفي للمجتمع الأندلسي، وهو معبر عن مكنون المجتمع وظهر فيه العديد من الاتجاهات والمذاهب.