الاتجاه المحافظ في الشعر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


تميز العصر الأندلسي باهتمامه الكبير بالأدب والثقافة وسائر العلوم، وبرز فيه العديد من العلماء والأدباء والشعراء، عاش العصر الأندلسي بنهضة علمية وفكرية وثقافية، وعاش أهل الأندلس حياة مليئة بالحرية والانفتاح والتأثر بالثقافات وآداب الشعوب الأخرى، ومن بين هذه الدول التي تأثروا بها دول المشرق العربي، توجه الأندلسيين إلى الأخذ عن أهل المشرق جميع العلوم والآداب وكانوا مقلدين لهم، ورغم العوامل والأحداث التي ظهرت في الأندلس والتي دفعت الأدباء إلى فك قيود التقليد، إلا أنه بقي منهم من التزم بالاتجاه المحافظ للشعر، وفي هذا المقال سنتناول هذا الاتجاه بالشرح والتفصيل.

الاتجاه المحافظ في الشعر الأندلسي

تأثر الأدب الأندلسي بنظيره في المشرق العربي بشكل كبير، وكانوا يعظّمونه ويقلّدونه؛ لأنه أدب المكان الذي نزل به الوحي، وكان لهذا تأثير في نفوس أدباء وعلماء الأندلس، وعمدوا إلى محاكاة وتقليد كل علم أو أدب جاء من المشرق العربي.

نهج شعراء الأندلس نفس منهج شعراء المشرق وساروا في نفس الدرب فهم يرون في شعراء المشرق العربي المثل الأعلى لهم، ولقد كان الشاعر الأندلسي مقلد وغير مستقل بشعره فلم يكن لشعره صفات وخصائص تميزه عن غيره.

وتعلق شعراء الأندلس بشعراء المشرق حيث تأثروا بشعرهم وأصبحوا مقلدين لهم بكل شئ حتى وصل بهم الأمر إلى إطلاق أسماء شعراء المشرق على شعر الأندلس، فكانوا يلقبون شعرائهم مثلًا الرصافي لابن رومي الأندلسي.

وتوجه شعراء الأندلس إلى السير على نهج أهل المشرق من حيث وحدة الموضوع ووحدة الوزن والقافية، وكانت خصائص شعرهم وأسلوبهم حتى ألفاظهم مطابقة تمامًا لشعر المشرق العربي.

مظاهر الاتجاه المحافظ

يظهر المنهج والاتجاه المحافظ في الشعر الأندلسي بشكل كبير، حيث كان الشاعر الأندلسي يتجه إلى التقليد في مواضيع وأغراض الشعر المشرقية فتوجه إلى النظم في موضوع المديح والوصف والحماسة والفخر وغيره من الأغراض التقليدية.

وينهج الشاعر الأندلسي نهج الشعراء القدامى فيما يخص بناء القصيدة، أي توجه إلى تعدد المواضيع، وتوجه إلى استخدام البحور الخليلية التامة دون تجزئتها مثل اللجوء إلى نظم الشعر بالبحر الطويل والبسيط، وكذلك الكامل وغيرها من البحور، ولجأ الشاعر إلى استخدام الألفاظ القوية التي تتسم بالجزالة والغرابة في نفس الوقت واستخدم الشاعر الأندلسي الألفاظ التي وجدها في الشعر المشرقي بالرغم من اتسامها بالطابع البدوي الذي يناسب البيئة المشرقية الصحراوية.

وعمد الشاعر الأندلسي إلى استخدام صور فنية بعيدة كل البعد عن ما يناسب البيئة الأندلسية الخلابة وكان يلجأ إلى التشبيهات والاستعارات في شعرهم ومثال على ذلك قصيدة لأبي المخشي في مدح عبد الرحمن الداخل حيث يقول فيها:

امتطيناها سِمانًا بُدَّنا

فتركناها نَضاءً بالعنا

وذريني قد تجاوزت بها

مهمهًا قفرًا إلى أهل الندى

قاصدًا خير منافٍ كلهّا

ومناف خيرُ من فوق الثرى

ونرى في الأبيات السابقة أن الشاعر قد بدأ قصيدته التي مدح فيها عبد الرحمن الداخل بوصف الدابة التي تعب في تسمينها من أجل هذه الرحلة وكانت في بداية الرحلة سمينة، ولكن بعد التعَب والمشقة التي مرّت بها في رحلتها جعلتها هزيلة ضعيفة، وصور لنا كيف أنه قطع كل هذه المسافة من أجل الوصول إلى عبد الرحمن الداخل.

وفي الأبيات السابقة تتجلى ملامح الاتجاه المحافظ من خلال الألفاظ المستخدمة والتي استمدها الشاعر من الشعر المشرقي القديم، وكذلك يتوضح هذا الاتجاه من خلال الموضوعات التقليدية التي عمد إلى ذكرها في قصيدته مثل وصف الدابة ووصف الطبيعة الصحراوية ومن بعدها ينتقل إلى المدح.

أهم شعراء الأندلس المقلدين

1- عبد الرحمن الداخل: وكان يُكثر من استخدام الألفاظ الجزلة التي تتسم بطابع البداوة، وكذلك الصور والمواضيع كلها مستمدة من البيئة الصحراوية على الرغم من أنه يعيش في الأندلس الخضراء، ومن أشعاره:

أيها الراكب الميمم أرضي

أقري من بعضي السلام لبعضي

إن جسمي كما تراه بأرضي

وفؤادي ومالكيه بأرضي

1- أبو العاصي وهو الحكم بن هاشم.

2- الجارية العجفاء وهي من الجواري الوافدات، وقيل أنها أول شاعرة نظمت الشعر على أرض الأندلس.

فنون الشعر الأندلسي التقليدية

1- الغزل: ويعتبر الغزل من أهم الأغراض التي نُطم فيها الشعر الأندلسي، وكان يتسم شعر الغزل بالرقة والعواطف المرهفة، وكان للبيئة الأندلسية أثر في هذا الغرض الشعري، وكان غزل أهل الأندلس يوصف بأنه غزل حسي كان يلتزم ويقف عند الوصف المادي، وكان يستمد ألفاظه وصوره التي يصف فيها المحبوبة من البيئة الأندلسية، ومن شعراء الغزل الأندلسي ابن فرج الجبالي ويقول:

وطالع الوصال صددت

عنها وما الشيطان فيها

بالمطاع بدت في الليل

سافرة فبانت دياجي الليل

سافرة القناع فملّكت الهوى

جمعات قلبي لأجرى في

العفاف على طباعي

2- المدح: وكان ينظم شعر المدح في الملوك والأمراء والحكام، وكان يتحدث الشاعر في قصيدته عن جانبين من حياة ممدوحة حيث تناول صفات ممدوحة مثل الشجاعة والكرم والوفاء، وكذلك يتوجه في الشعر إلى ذكر انتصارات ممدوحة، ومن أشهر شعراء المدح الأندلسي ابن حمديس ويقول مادحًا أبا الحسن:

تُفشي يداك سرائر الأغماد

لقطاف هام واختلاء هوادِ

إلا على غروٍ يبيد له العدى

لله من غزوٍ له وجهاد

ما صون دين محمد من ضيمه

لا بسيفك يوم كلّ جلاد

وطلوع رايات وقود جحافل

وقراع أبطال وكرّ جياد

3- الرثاء: لم يكن شعر الرثاء مشهورًا ورائجًا في العصر الأندلسي، وكان الشاعر الأندلسي يسير على نهج الشاعر المشرقي في شعر الرثاء حيث أنه كان يبدأ قصيدته بذكر الفواجع، ويصف الحال والمصيبة التي وقعت بموت المرثي، ومن أشهر شعراء الرثاء أبي البقاء الرندي فيقول:

لكل شيء إذا ما تم نقصان

فلا يغير بطيب العيش إنسان

4- الحكمة: نشا شعر الحكمة في العصر الأندلسي نتيجة للأحداث المتعددة التي جرت آنذاك وكان ينظم هذا الشعر على أساس المعاني والأفكار المستلهمة من العقول الراجحة، ولقد نهج شعراء الأندلس نهج المشارقة في هذا النوع من الأشعار، وبرزوا في ذلك حتى أنهم تفوقوا على المشارقة في ذلك.

وعرف عن الأندلس كثرة الحكماء والفلاسفة فيها ومنهم الشعراء الذين زينوا أشعارهم بهذه الحكم، ومن هؤلاء الشعراء عبد الرحمن الأوسط حيث يقول:

أرى المرء بعد العَزل يرجع عقلُه

وقد كان في سُلطانه ليس يعقل

فتُلفيه جَهْمَ الوجه ما كان واليًا

ويسهل منه ذاك ساعة يّعزَلُ

وفي النهاية نستنتج أن الشاعر الأندلسي سار على نهج الشاعر المشرقي بشكل كبير، وكان منفتح على ثقافات وآداب الشعر الأخرى ومن بينها آداب المشرق العربي، وكانوا مقلدين له مقيدين فيه إلى أن ظهرت أحداث وعوامل أدت إلى فك القيود و الاستقلال بأدبهم، وفي هذه الوقت ظهر مجموعة ملتزمة نهجت الاتجاه المحافظ.


شارك المقالة: