نشأت الترجمة الأدبية منذ الزمن القديم، وحظيت منذ ظهورها باهتمام كبير حتّى أنه في عصر ازدهارها سمي هذا العصر بالعصر الذهبي؛ وهذا بسبب تقديم مكافآت ذهبية لكل شخص يتمكّن من ترجمة كتاب، فالترجمة الأدبية لها أهميّة من عدّة جوانب ثقافية واقتصادية وحتّى اجتماعية، سنحكي عزيزي القارئ في هذا المقال عن أهميّة الترجمة الأدبية من منظور البعد الاجتماعي لها.
البعد الاجتماعي في الترجمة
البعد الاجتماعي في النصوص الأدبية والسردية يشكّل عنصراً أساسيّاً بها؛ والسبب في ذلك هو أن البعد الاجتماعي معني بإظهار الزاوية الحضارية وإظهار بيئة الرواية، بالإضافة للبعد الإنساني وما ممارساته المتوازية، وإنّ المترجم عند قيامه بترجمة أي نص فإنّه يقوم بنقل جميع مكوّنات النص الاجتماعية والثقافية أيضاً.
ويعتبر الجانب الثقافي هو الذي يقوم بنقل الجانب الاجتماعي للنصوص؛ والسبب في ذلك هو أن الثقافة هي التي تتحكّم بلسان الفرد ونتاج حديثه، والعلاقة عكسية فإن اللغة اللسانية هي التي تتحكّم بمدى الثقافة التي يمتلكها الفرد، وكما وصف أحد الأدباء العلاقة بين الثقافة والبعد الاجتماعي قال (الثقافة هي جملة العادات والتقاليد، والتجليّات الدينية والفكرية والفنية التي تعرّف وتميّز جماعة أو مجتمع ما) أو بتعريف آخر يقول (الثقافة هي مجموعة المعتقدات المشتركة، وطرائق التصرّف والنظر إلى الأشياء التي تقود سلوك فرد أو جماعة بصورة واعية نوعاً ما).
عوامل ظهور البعد الاجتماعي
إنّ الاحتلال الذي تعرّضت له معظم البلدان مثل: الاحتلال الفرنسي الطويل لبلد الجزائر، أو الاحتلال البريطاني الإنجليزي لبلاد الشرق الأوسط، كان له الأثر الكبير في التأثير على ثقافة الشعوب، وبالتالي أثّر هذا الشيء في كيفية إظهار البعد الاجتماعي في نصوصهم؛ حيث دخلت اللغات ببعضها البعض، ونشأ ما يسمّى بالتعريب؛ فبعض الدول مثل الجزائر تأثّرت كثيراً باللغة الفرنسية ولها الكثير من المؤلّفات بتلك اللغة.
وقد وصف البعض الأدب الجزائري بأنه ذو بعدين، البعد الأوّل والأساسي وهو اللغة الفرنسية، والبعد الآخر هو امتداد جذوره وأصله من ثقافة بلد الجزائر، وكذلك نرى بأنّ بلاد الشرق الأوسط قد تأثّرت كثيراً بثقافة البريطانيين، فعلى سبيل المثال تعتبر اللغة الإنجليزية في تلك الدول بمثابة اللغة الثانية، وهي تدرّس بالمناهج منذ البداية، كما أنّ هنالك كلمات كثيرة معرّبة باللغة ولكن أصلها جاء من ثقافة الإنجليز.
كل هذه العوامل تؤثّر على الثقافة، وبالتالي هذه الثقافة تؤثّر على البعد الاجتماعي الذي يظهره المترجم، وكانت أغلب القصص والروايات لتلك الشعوب تحكي بالأساس عن معاناة الشعوب من الاحتلال والظلم والقهر الذي عانوا منه، وكانت اللغة التي تأثّروا بها هي الوسيلة للتعبير عن ذلك.
ترجمة البعد الاجتماعي للنصوص
يراعي المترجم عند نقله البعد الاجتماعي للنصوص خيال المتلقّي الأجنبي؛ فثقافته تختلف تماماً عن ثقافة الكاتب أو ربمّا تشبهها، ولكن مع اختلاف في المرجعية فقط، وهذا ما يسمّى بالتفاوت الثقافي، لهذا السبب كلّما كانت ثقافة المترجم عالية بكل من اللغتين كلّما كان أسلوب نقله للنص ترجمته أوضح وأفضل.
وعندما يريد المترجم نقل النص فإنّ من الأمر الأساسي أن يواجه بعض الصعوبات والعوائق في تمثيل البعد الاجتماعي، لذلك هنالك بعض الأمور التي يجب على المترجم مراعاتها عند نيّته لترجمة النص ونقله بجميع أبعاده، وأهم هذه الأمور هي إتقان كل من لغة الانطلاق والوصول أي لغة المصدر والهدف، أن يكون المترجم قد درس البعد الحضاري والتاريخي لكل من البلدين، وفي هذا الصدد قال أحد الأدباء (ولترجمة نص مكتوب لغة أجنبية هناك شرطان اثنان أساسيان، الواحد منهما لا يكفي: معرفة اللغة والحضارة التي تتكلّم عنها هذه اللغة (وهذا معناه الحياة، الثقافة، الأجناس البشرية الكاملة للشعب باعتبار أن هذه اللغة هي وسيلة التعبير).
وعندما يريد المترجم النظر إلى البعد الاجتماعي عند ترجمة النص؛ فإنّه ينظر بالأساس إلى الوسط الذي ينتمي له هذا النص، وباعتبار أن الأدب هو وليد البيئة التي ينتمي لها؛ فإنّ المترجم يبدأ وكأنّه يتفاعل مع أبناء القصة أو الرواية، ويقوم بتحليل سلوكيّاتهم الحياتية، بالإضافة لتحليل عاداتهم وتقاليدهم من خلال المواقف التي يمرّون بها.
ومن الأمر المعروف بأنّ الذي يعيش في بيئة معيّنة؛ فإنّه بالتأكيد لا يمكنه العيش بها من دون أن يتأثّر بما حوله ومن دون أن يتأثّر بعقليّته وبسلوكيّاته، ويعتبر المترجم المبدع هو القادر على نقل الخلفية الثقافية المجتمعية وبكل ما تحتوي عليه من ثراء، فالوسط الاجتماعي هو مصدر الإلهام للمترجم.