التجديد في شعر خليل مطران

اقرأ في هذا المقال


لقد طرأ على الزمن الحديث الكثير من التطورات، حيث شملت العديد من المجالات ومن ضمنها الأدب الذي تأثر بالنمط الحضاري المستحدث، وأسهمت في نهضته وتقدمه مثل الطباعة والمدارس وأيضًا الانفتاح على الثقافات الأعجمية، ويعتبر خليل مطران من أبرز رواد الكلام المنظوم المعاصرين الذين قاموا على التجديد والتحديث في أدبهم من ناحية المضمون والشكل والإيقاع، وكذلك الصورة وفي هذا المقال سنتكلم عن هذا التجديد الذي برز في أدب خليل مطران.

نبذة عن حياة خليل مطران

هو لبناني الأصل نشأ في بعلبك وكان لأبيه دور كبير في تعلمه للقراءة والكتابة وعُرف والده بحفظه للعديد من المقطوعات العربية القديمة والمستحدثة، تلقى تعليمه على يد إبراهيم اليازجي وعرف منذ طفولته أنه كثير الحركة وله مزاج عصبي في بعض الأحيان وتميز بمرحه وامتلاكه المشاعر الجياشة، وكان دائمًا يتباهى بأصله ويقول:

ألا يا بني غسان من ولد يَعُرب

وأجدادكم أجدادُ العُظماء

كان مطران كثير التأمل والتفكير حيث أذكى ملكة الشعر لديه ونمت بسبب عدة تجارب خاضها في حياته كما كان اطلاعه الواسع على الأدب المشرقي والأوروبي وقع في تطور أدبه وانتشاره، والتمعن في أدب مطران نلاحظ تأثر بأستاذه اليازجي ونراه في بعض أبيات يوجه كلامه له مثل سؤاله اه عن الموت حيث يقول:

بين العرب فيما الصبر والحال ما ترى 

بأبي علينا الخسفُ تاريخيًا قُدما

وحِنام نطوي العُمرَ والليلُ دامِسُ 

ونحتمل الإجحاف والظُمُ والظُلما

التجديد في أغراض الشعر لدى خليل مطران

1- الشعر القصصي: طور خليل في الكلام المنظوم القصصي وهو من السباقين في النظم بهذا الشكل و لجأ إليه ليتمكن من التعبير عن أفكاره المتعلقة بالمجتمع وكذلك الحرية والاستبداد، كما عَمِد له من أجل الحديث عن قصة المأساوية في العشق وكانت هذه المقطوعات تعج بالمفاهيم الاجتماعية وانقسمت قصصه إلى جزأين:

1- حكايات تاريخية: استمد محتواه من التاريخ كالحكايات القديمة واستغلها من أجل الإفصاح عن ثورته على الاستبداد.

2- الحكايات الاجتماعية: تستمد محتواها من الحياة الاجتماعية والبيئة المحيطة به مثال عليها حكاية “فتاة عواده”:

فقال لها بل يشهد الله بيننا

واسقام قلبي الوالهُ المتوجع

وتشهد هذه الشمس عند غُروبها

وما حولنا من نورها المُتفرع

ويشهد ذا الروض الأريضُ ودوحهُ

وما فيه من زهرٍ وعطرٍ مُضوع

2- شعر النهضة والحرية: تميز أدبه في هذا النوع بأنه يميل لحكايات تاريخية يظهر غضبه ونقمته على الاستبداد السائد لكن دون ذكر الحاكمين إنما ينوب عنهم بشخصيات أخرى مثل كسرى، كما يبرز في مقطوعاته الثورة والتحرر دون خوف أو حياء، ومثال على هذا النوع ما نظمه في مصطفى كامل وكشف عن ولائه له ويقول:

جزع النصارى واليهود لمسلمٍ

هو خيرُ وإلى وأوفى من وفى 

3- شعر المناسبات: عُرف هذا الموضوع منذ القدم ويُنظم في مقطوعات الرثاء وكذلك الوصف وهذا الموضوع عند مطران كشف عن تأثره بالغرب فقال عنه محمد مندور: ” أشعار المناسبات في ديوان الخليل، إلى اضطرارا أن يهجر مسقط رأسه، فيُسلح حياته إما بين قوم عزباء كالفَرنسيين أو بين قوم مهما قيل في اخواتهم له وارتباطه بهم بمختلف الروابط..”

4- الرثاء: أكثر مطران من البكاء في مقطوعاته وقسمها إلى قسمين الأول بكى فيها أصدقاءه وولاة أمر، ومثال عليه بكائه للأميرة كاملة:

من الملأ الأسمى على ذلك قبر

ملائِكُ حُراسُ الفضيلة والطُهر

سجود على باب الضريح الذي ثوت

به مُصطَفاهُ الله كاملةُ البّر

سلامٌ عليكم فالزمُوهُ وآنسوا

غلالة حُسنِ تُبتلى بيد الهَجر

وكذلك رثاءه لأستاذه إبراهيم اليازجي حيث نظم:

رَبَّ البَيَانِ وَسَيِّدَ القَلَمِ

وَفَّيْتَ قِسْطَكَ لِلعُلَى فَنَمِ

نَمْ عَنْ مَتَاعِبِهَا الجِسَامِ وَذَرْ

آلامَهَا غُنْماً لِمُغْتَنِمِ

مَا أَصْغَرَ الدُّنْيَا وَأَحْقَرَهَا

فِي جَنْبِ مَا لِلمَيْتِ مِنْ عِظَمِ

والقسم الثاني هو الرثاء المجبور إليه مثل رثاء أبطال مصر وأدبائها ومثال عليه رثائه لأحمد شوقي:

عَجَباً أَتُوحِشُنِي وَأَنْتَ إِزَائِي

وَضِيَاءُ وَجْهكَ مَالِئُ سَوْدَائِي

لَكِنَّه حَقٌّ وَإِنْ أَبَتِ المُنَى

أَنَّا تَفَرَّقْنَا لِغَيْرِ لِقَاءِ

جَرَحُوا صَمِيمَ القَلبِ حِينَ تَحَمَّلُوا

اللهَ فِي جُرْحٍ بِغَيْرِ شِفاءِ

أَلطَّيبُ المَحْمُودُ مِنْ عُمْرِي مَضَى

وَالْمُفْتَدَى بالروحِ مِنْ خُلَصَائِي

مقطوعات التهاني والمناسبات: تميز خليل في هذا النوع وساعده على ذلك موهبته وذوقه الذي مكنه من إرضاء المتلقي وجذبه لسماع أدبه ومثال عليه ما قاله في زفاف نجلاء سركيس مادحًا أبيها:

وما سليم إلا أبر أب

ربى بنيه بالخُطة الفُضلى

يُجيد في كل ما يجيء به

أكان قولاً ما جاء أم فِعلاً

وأيضًا مقطوعاته التي نظمها مهنئًا عباس الثاني عندما فتح السودان:

النيل عبدك والمياه جواري

باليمن والبركات فيه جوار

أمننُه بمعاقل والجواري

وجعلته مَلكًا عزيز جوار

مظاهر التجديد عند خليل مطران

يعتبر مطران من رواد التجديد في زمنه وبرزت نزاعاته الحديثة على أدبه فنراه يتحرر من قيود التقليد ويقول عنه طه حسين: “إن مطران ثائر على الشعر القديم، ناهض مع المجددين، وهو قد سلك طريق القدماء فلم تعجبه، وأعرض عن الشعر ثم اضطر، فعاد إليه وحاول أن يعود إليه مجددًا لا مقلدا.” ومن مظاهر التحديث لديه:

1- المضمون: يعد من أهم سمات التجديد في أدبه حيث نراه يبتعد عن الوقوف عند الشكل الخارجي في أي غرض يتناوله فمثلاً نراه في وصف البيئة يعبر عن أحاسيس حارة وعواطف صادقة يمزجها بما يراه ويصفه ويقول:

للهِ في لُبْنَانُ مَا أَبْهَاهُ مِنْ جَبَلٍ

يَمْشِي بِهِ الْحُسْنُ تَصْويْباً وَتَصْعِيدا

فِي كُلِّ مَوْقِعِ طَرْفِ آيَةٌ عَجَبٌ

تَكْفِي المُنَى وَتُرِيحُ الذِّهْنَ مَكْدُودا

تُرَابُهُ يُخْرِجُ الأَزْهَارَ مُونِقَةً

وَمَاءُهُ قَرْقَفٌ يُنْشِي الأَمالِيدا

كما عمد إلى أسلوب التكرار سواء أكان حرف أو لأسلوب التكرار مثل النداء في قوله:

يا كَوكبًا مَن يَهتدِي بضيائِهِ

يهدِيهِ طالِعُ ضلَّةٍ وريَاءِ

يا مورِدًا يسقِي الورُودَ سرابُهُ

ظمَأً إلى أَن يهلِكُوا بظمَاءِ

يا زهرَةً تحيِي رواعِيَ حُسنهَا

وتُمِيتُ ناشِقَهَا بلاَ إِرعَاءِ

2- الإيقاع: برز هذا التجديد عند رواد الرومانسية الذين انفتحوا على الثقافات الأوروبية ومنهم مطران، وقال عنها: “إن الفن ينضج في جو من الحرية وهذه القيود الثقيلة، قيود القافية الواحدة والوزن الواحد تتعارض مع حرية الفن.”

مثال على التجديد في الإيقاع قوله: 

من بقايا الشباب في وادي

قلبي المسكين

زهرة في شحوبها العادي

ظمأ من سنين

لبث وهي آخر الزهر

في رياض الهوى

وفي النهاية نستنتج إن خليل مطران من أبرز المجددين في عصره حيث تمكن من إحداث نقلة تجديدية في الشعر المشرقي الحديث رغم عدم رفضه القديم، حيث صاغه بحلة حديثة ومفردات وتراكيب وصور تتناسب مع زمنه، ومن الأشكال التي ظهر فيها التجديد مقطوعات المدح والرثاء وكذلك الغزل وغيره.


شارك المقالة: