التحليل الفلسفي والفيلسوف مور

اقرأ في هذا المقال


بحلول الوقت الذي عاد فيه جورج إدوارد مور إلى كامبريدج في عام 1911 للحصول على محاضرة هناك، كان راسل (Russell) ووايتهيد (Whitehead) ينهيان مشروعهما الضخم لعرض الأسس المنطقية للرياضيات (Principia Mathematica).

مور والنظرية المنطقية لراسل بين تأييد وتفنيد:

عندما أظهر بيرتراند راسل نظريته المنطقية، وعلى الرغم من أنّ مور لم يكن عالم رياضيات ولا منظِّرًا منطقيًا إلّا أنّه كان من أوائل الأشخاص الذين أدركوا أنّ نظرية راسل المنطقية الجديدة كانت أداة أساسية للفلسفة وقدمت رؤى جديدة مهمة. فأحد الأمثلة على ذلك يتعلق بحالة الافتراضات هي موضوعات الفكر، حيث أكد مور في عمله المبكر أنّ الافتراضات مستقلة تمامًا عن الفكر بل إنّه اقترح أنّ الحقائق مجرد افتراضات حقيقية.

ولكن عندما بدأ يفكر أكثر في الباطل والبهتان في محاضراته عن بعض المشاكل الرئيسية في الفلسفة (1910-1911) أصبح واضحًا له أنّ هذا الموقف كان خطأ، لأنّ حقيقة الافتراض يجب ألّا تؤثر على وضعها الأنطولوجي ومع ذلك فإنّه يكون من السخف إعطاء الافتراضات الزائفة حالة الحقائق.

لذا فقد رفض الآن الرأي القائل: “بأنّ الحقائق مجرد افتراضات حقيقية”، ووفقًا لوجهة نظره الجديدة فإنّ الحقائق كما في السابق تتكون من الأشياء وخصائصها، ولكن ماذا عن الطروحات؟ فوفقًا لمور يتحدث الفلاسفة بشكل شرعي عن الافتراضات من أجل تحديد جوانب الفكر واللغة الحاسمة في أسئلة الحقيقة والاستدلال، وفي القيام بذلك قد يبدو أنّهم يعتبرون الافتراضات كيانات حقيقية.

ولكن يعتقد مور الآن أنّ هذا المعنى غير مبرر حيث الخطأ هنا هو افتراض أنّ كل تعبير يبدو أنّه اسم لشيء ما يجب أن يكون كذلك في الواقع، ولا يلمح مور هنا صراحةً إلى نظرية راسل عن الرموز غير المكتملة والتخيلات المنطقية، ولكن من الواضح أنّ هذا هو نوع الموقف الذي يفكر فيه، ويمكّن المنطق الجديد المرء من الحفاظ على المظاهر الواقعية دون قبول الميتافيزيقيا الواقعية.

مور ومفهومي العلاقة والضرورة المنطقية في فلسفة راسل:

لم يكن مور من أتباع راسل بلا انتقاد، فقد كان ينتقد تفسير راسل للتضمين الذي يقترح فيه راسل أنّ الشرط الوظيفي للحقيقة يعبر عن كل ما هو موجود للعلاقة المنطقية للتضمين بين الافتراضات، وقدم بدلاً من ذلك مصطلح (الاستلزام) لهذه العلاقة الأخيرة.

وبينما أدرك أنّ الاستنتاج مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالضرورة المنطقية، فقد اعتقد أنّ الاستنتاج ليس مجرد مسألة ضرورة وجود شرطي وظيفي للحقيقة وبالتالي فإنّ إطلاق نقاش حول هذه العلاقة يستمر حتى يومنا هذا.

مور ونقده لمفهوم الوجود في فلسفة راسل:

مرة أخرى كان مور ينتقد معالجة راسل للوجود ولا سيما إنكاره أنّه من المنطقي التعامل مع الوجود على أنّه مسند من الدرجة الأولى لأشياء معينة، بينما بالنسبة إلى راسل يجب التعبير عن الوجود بواسطة المُحدد الوجودي وبالتالي فهو ثاني طلب المسند.

بينما اتفق مور مع راسل على أنّ الوجود ليس مسندًا مباشرًا من الدرجة الأولى، لذا فإنّ الشكل المنطقي لـ “ترويض النمور الموجودة” ليس هو نفس الشكل المنطقي لـ “ترويض النمور المتذمرة”، حيث جادل مور بأنّ عبارات مثل “قد لا يكون هذا موجودًا” منطقي تمامًا وأنّهم لا يستطيعون فعل ذلك إلّا إذا كانت العبارة الأبسط” هذا موجود “منطقية أيضًا.

أهمية التحليل الفلسفي للفيلسوف مور:

استخدامات مور لمنطق راسل تحدث في السياق الأوسع لاستخدامه للتحليل كأسلوب للفلسفة، وعلى الرغم من أنّ مور نفى دائمًا أنّ الفلسفة مجرد تحليل فلا يمكن إنكار أنّها تلعب دورًا مركزيًا في فلسفته، وبالتالي من المهم تحديد ما الذي يحفز هذا الدور.

هذه المسألة مُلحة بشكل خاص في حالة مور لأنّه رفض البرامج التحليلية الرئيسية لفلسفة القرن العشرين، حيث كلاً من الذرية المنطقية لفيتجنشتاين والتجريبية المنطقية لأعضاء دائرة فيينا وأتباعهم مثل ألفريد جول آير.

في الحالة الأولى رفض مور فرضية فيتجنشتاين القائلة بأنّ كل ما هو موجود بالضرورة، وكما هو الحال مع الفرضية المثالية القائلة بأنّ جميع العلاقات داخلية، رأى مور أنّ اقتناعنا المنطقي بأنّ بعض الأشياء الموجودة ربما لم تفعل ذلك وتخلق افتراضًا قويًا ضد أي فيلسوف يؤيد عكس ذلك، وأنّ الموقف الذري المنطقي لا يقدم أسبابًا مقنعة لإلغاء هذا الافتراض.

بالإضافة إلى ذلك رأى مور أنّه ليس صحيحًا أنّ كل الضرورة هي ضرورة منطقية كما أكد فتجنشتاين، وفي كتاباته المبكرة على الرغم من عداءه لكانط فقد دافع صراحةً عن مفهوم الحقائق التركيبية الضرورية ولم يغير رأيه بشأن هذه النقطة، حيث توفر هذه النقطة أيضًا سببًا لرفضه للتجربة المنطقية، حيث أنّ هذا الموقف يتضمن بشكل مشهور فرضية مفادها أنّ جميع الحقائق الضرورية (تحليلية).

لكن مور أدرك أيضًا أنّ انتقاداته المبكرة لبراغماتية ويليام جيمس يمكن تطبيقها على الموقف التجريبي المنطقي، وفيما يتعلق بجيمس لاحظ مور أنّه عندما يتعلق الاقتراح بالماضي فقد يكون من الجيد أننا في موقف لا يمكن التحقق فيه من الاقتراح ونفيه لأنّه لا يوجد الآن أي دليل في أي من الاتجاهين.

لكنه جادل بأنّه لا يتبع ذلك أننا لا نستطيع الآن التأكيد على صحة الافتراض أو نفيه، وذلك بفضل قانون الوسط المستبعد، حيث في هذه الحالة لا يمكن أن تكون الحقيقة قابلة للتحقق على عكس كل من براغماتية جيمس والتجريبية المنطقية.

لكن لماذا إذن اعتقد مور أنّ تحليل الافتراضات كان مهمًا جدًا؟ إنّ الإجابة على هذا السؤال تأتي من أنّ مور تنبع دوافعه جزئيًا من قبوله لمبدأ قدمه راسل وهو أن: “كل اقتراح يمكننا فهمه يجب أن يتكون بالكامل من مكونات نعرفها”.

لأنّ هذا المبدأ يحفز تحليل المعنى للإدراك الذي كرس له الكثير من الاهتمام، وهذا بالإضافة إلى ذلك عند شرح أهمية التحليل الفلسفي أكد مور على أهمية توضيح ما هو موضوع النقاش في بعض المناقشات، ولكن القضية التي لم يكن واضحًا بشأنها هي الآثار المترتبة على التحليل.

في كتاباته المبكرة كان يرى أنّه بقدر ما يوضح تحليل الاقتراح ما، فإنّه يوضح أيضًا آثاره الوجودية، ومن ثم فقد اعتبر أنّه اعتراض على التحليل الظاهراتي للقضايا المتعلقة بالأشياء المادية التي يدعو التحليل إلى التشكيك في وجود مثل هذه الأشياء.

لكنه اتخذ لاحقًا وجهة نظر معاكسة مؤكداً أنّ التحليل الظاهراتي يوفر فقط وصفًا لما يرقى إليه وجودهم، وبين هذين الموقفين في ورقته البحثية عام 1925 بعنوان (دفاع عن الفطرة السليمة) حيث رأى مور أنّ ما يُظهره تحليل بيانات المعنى للإدراك هو أنّ بيانات المعنى هي: الموضوع الرئيسي أو النهائي من المقترحات حول الإدراك. وهنا تعكس الأهمية الحقيقية للتحليل الفلسفي بالنسبة لمور هي في أهميته الميتافيزيقية بالنسبة له بقدر ما تكشف عن المواد النهائية.


شارك المقالة: