إن الترجمة الأدبية فن نشأ منذ قديم الزمان، وحظي باهتمام كبير جداً من قبل جميع الكتّاب والأدباء، ومع التطوّر الذي وصل له العالم والذي جعل التواصل بين الشعوب أمراً سهلاً أصبح للترجمة وبيع الكتب المترجمة سوق نشر خاصّ به، ولسوق الترجمة شروط خاصّة به، ومن بعض المترجمين من يلتزم بهذه الشروط والمعايير، ومنهم من لا يلتزم بها، سنحكي عزيزي القارئ في هذا المقال عن المعايير التي يتخذها بعض المترجمين لتسويق أعمالهم المترجمة.
المعايير التي يستخدمها المترجمون لنشر أعمالهم
من المعروف أن أغلب الأشخاص عندما يريدون شراء أي عمل مترجم؛ فإنّهم أوّل ما يلتفتون له هو اسم المترجم، وقليل منهم من لا يلتفت لاسم المترجم؛ فأغلب الناس يقومون بشراء كتب مترجمة لمترجم معيّن يتابعون أعماله عن كثب، ويمتلكون الثقة بصدق أعماله وروعتها، ولكن السؤال الأهم هو هل المترجم يتبّع المعايير والشروط المعتمدة لنشر أعماله، أم أنّه لا يهتم بذلك؟
هنالك آراء مختلفة حول حرية اختيار المترجم أو التزامه لشروط النشر، هنالك بعض المترجمين العرب ومن أمثالهم المترجم المصري سمير جريس، يقول هؤلاء المترجمون أنّهم لم يفكّروا بيوم من الأيام بالالتزام بأي شرط من شروط النشر، بل إنّهم قاموا بترجمة مختلف أعمالهم سواء كانت قصص أو روايات أو على سبيل المثال نصوص قصيرة يتم نشرها في المجلّات بكامل حريّتهم، ودون الالتزام بمعايير النشر؛ والسبب في ذلك هو أنّه برأيهم أن الأعمال المترجمة خاصّةً القصص القصيرة تخاطب القارئ مباشرةً وبسهولة.
ويقول المترجم المصري سمير جريس بأنّ ترجمته للروايات لاقت انتشاراً ونجاحاً كبيراً؛ خاصّةً ترجمته للأدب الألماني والذي حقّق انتشاراً في ألمانيا، وكان ذلك في فترة الحرب العالمية الثانية، والسبب في نجاح أعماله المترجمة يعود إلى اسم المؤلّف الأصلي للعمل، وهو قام بترجمة روايات لكتّاب لهم اسم معروف ولامع، حتى إنّ بعضهم قد حصلوا على جائزة نوبل لأعمالهم الرائعة.
ولكن هنالك بعض الكتّاب اللذين يمتلكون رأياً آخر؛ حيث يرى بأن المترجم لا يختار العمل الذي يريد ترجمته بنفسه، بل إنّ أكثر من ثمانين بالمئة منهم من يتم عرض مجموعة أعمال عليه، ومن ثم يقوم هو باختيار العمل الذي يناسبه لترجمته، ويقوم هو باقتراح ترجمة عمل ما، وعلى الرغم من ذلك فإنّ الرأي الأخير قد يكون للناشر وليس للمترجم؛ وذلك بحسب معايير سوق النشر.
وفي حالات نادرة يكون العمل من اقتراح المترجم، ومن ثم يقوم بطلب شراء حقوق الملكية من أجل ترجمة هذا الكتاب الذي قام باقتراحه ونشره، والحالات الأقل حدوثاً هي أن يختار المترجم العمل، ومن ثم يعرضه على الناشر ويوافق على نشره، وبذلك يستطيع شراء حقوق الملكية له، وإن لم يحصل المترجم على موافقة الناشر؛ فيقوم بترجمة الكتاب ووضعه جانباً بانتظار أن يجد دار نشر توافق على نشره، أو أن يقوم بنشره في دور نشر غير معروفة أو معتمدة، وغالباً تكون دور النشر تلك لا تهتم بحقوق الملكية للكتاب.
وبرأي بعض المترجمين أنّهم يقومون باختيار العمل بناءً على حبّهم له وشغفهم بقراءة نصوصه، وبرأيهم عندما يقومون بترجمة كتاب بشغف فهم يساهمون بخلق جناح جديد له ليحلّق عالياً وينتشر بأكبر قدر ممكن، وأنّهم بذلك يساهمون أيضاً بمشاركتهم القرّاء هذا الشغف الحقيقي، وبرأيهم يعتبر هذا الشرط هو الشرط الأوّل والأساسي عند ترجمة الكتب، ومن دون توفّر عامل الشغف فستكون عملية الترجمة عبارة عن عملية تحويل لغوي وقاموسي لا روح فيها أبداً.
وبرأي بعض المترجمين أن أهم معايير الترجمة لديهم هو العامل الجمالي والإنساني للنص، وبرأيهم أن عملية الترجمة تشبه بشكل كبير عملية الكتابة، والتي يعتبر من أهم شروطها هو العامل الجمالي والروحاني وامتلاك الكاتب الإحساس العالي بها، ولكن هذا المعيار لا يتوافق كثيراً مع معايير وشروط دور النشر؛ والسبب في ذلك هو أنّ دور النشر لا تركّز كثيراً على العامل الإنساني.
ومن الأمثلة على ذلك رواية عن التابو الديني والذي قام بترجمتها المترجم جمال الجلاصي، وتحكي عن التسامح بين الأديان، كانت أغلب دور النشر لديها مخاوف حول نشرها، ولكن ظلّ المترجم مصمّم على استمرار البحث حتّى وجد بالنهاية طريقة لنشر هذه الرواية التي تحمل معنى إنساني عظيم.
وفي نهاية الأمر تم الاتفاق على أن الأمر متعلّق بالجهات الثلاثة وهي: المترجم، الناشر، القارئ؛ فالمترجم يجب عليه الإخلاص والصدق في عمله، أمّا الناشر فيمتلك ثقته من صدق المترجم، وبالتالي يجذب القارئ لقراءة هذا العمل المترجم عن طريق نشر العمل والتسويق له.