الترجمة الأدبية بين الحرفية والتحريف

اقرأ في هذا المقال


إنّ الترجمة الأدبية هي فن من الفنون الأدبية ذات أهمية كبيرة، أثارت الكثير من الجدل وتم طرح الكثير من التساؤلات حولها؛ والسبب في ذلك هو اختلاف وجهات نظر الأدباء حولها، فمنهم من يرى بأن مصطلح الترجمة الأدبية يعني الخيانة اللغوية للنص، لما تقوم به من تغيير وتبديل، ومنهم من يرى أنّها عمل مجهد يقوم به المترجم من أجل أن يحافظ على المعنى العام والصياغة الصحيحة للنص قدر الإمكان، سنحكي في هذا المقال عزيز القارئ عن أهم الآراء التي تصف الترجمة الأدبية بين الحرفية والتحريف.

الترجمة الأدبية الحرفية والتحريف

تعتبر الترجمة من وجهة نظر البعض بأنّها علامة على التفاعل والحركة الثقافية للشعوب، وأن العالم وخاصّةً العصر الحالي هو بحاجة كبيرة وماسّة للترجمة الأدبية، وهذا من أجل المساهمة في استمرار الحركة الثقافية من بلد لآخر عبر تحويلها من لغة المصدر إلى لغة الهدف.

وتم طرح الكثير من القضايا الجدلية والدراسات التي تتحدّث عن هذا الفن نظراً للوعي الكبير بأهميّته في حياتنا، ويصف البعض الترجمة الأدبية أنّها عبارة عن علاقة ثقافية بين النصّين؛ والسبب في ذلك هي أنّها لا تقوم على نقل اللغات بينهما فقط، بل هي تنقل الثقافة التي تعبّر عنها سطور هذا النص.

والاختلافات بين النصوص تتمثّل في الاختلافات الثقافية في المعنى بالإضافة إلى الشعور العاطفي بداخله، وكذلك تنقل النصوص الأدبية العلاقات الاجتماعية بين الأفراد ومدى قوّتها، وكذلك تمثّل العادات والتقاليد والأخلاق الدينية السائدة، وهنالك رأي شهير للكاتب الكبير المعروف وهو الجاحظ، ويتحدّث الجاحظ في هذا الرأي عن حرفية الترجمة وتحريفها.

كان رأي الجاحظ أن الترجمة تظهر أحياناً بشكل حرفي أو تظهر أحياناً بشكل تحريفي، وهذا الأمر يعتمد بشكل أساسي على استعداد المترجم لترجمته، وما مدى المعرفة والخلفية الثقافية لديه بلغة النص الأصلية، بالإضافة لمعرفته باللغة المترجم لها، وعلى المترجم أن يكون متقن لهذا العمل وليس ماهراً به فقط.

وبرأي الجاحظ أن هنالك الكثير من الأشخاص الذين قاموا بتكريس أنفسهم للتدرّب على هذا الفن الذي يعتبر مقدّس بسبب الفائدة الكبيرة التي يقدّمها للشعوب؛ فلولا الترجمة الأدبية وعملية نقل المعارف والعلوم لبقيت بعض الأمم على حالها وتراجعها، ولكن هذه العملية الحيوية ساعدت الكثير من الدول النامية على السير في الركب الحضاري للدول المتقدّمة.

وبرأي الجاحظ لكي يبتعد المترجم عن التحريف فيجب عليه أن يكون مستواه المعرفي تماماً كمستوى المؤلّف الأصلي للنص، وإلّا فستكون ترجمته عبارة عن تحريف لما يسعى الكاتب لإيصاله، ويرى الجاحظ أن التواصل الثقافي بين الشعوب قد بدأ منذ الزمن القديم؛ ففي عصر هارون الرشيد؛ حيث كان العرب على تواصل دائم مع اليونان والفرس، وكانوا يتبادلون العلوم الاجتماعية بالإضافة للعلوم الفلسفية.

وكانت الترجمة الأدبية قد وصلت إلى أوجها في عصر المنصور؛ حيث أنّه كان يقدّر الأعمال المترجمة لدرجة أنّه كان يقدّم الذهب كثمن للعمل المترجم، وهذا كتشجيع منه لأهميّة التواصل مع باقي الشعوب، ولكن حركة الترجمة تراجعت في عهد العثمانيين؛ والسبب في ذلك هو سيطرة العثمانيين على العرب ممّا سد الأبواب في وجههم عن التواصل مع الشعوب، وحدثت فجوة كبيرة بين العرب وباقي الأقوام، ولكنّها لحسن الحظ عادت لازدهارها وأوجها بعد الحملة الفرنسية التي أظهرت مدى العزلة الثقافية التي كان العرب يعانون منها.

بذل في ذلك الوقت المترجمون الكثير من الجهود مثل المنفلوطي؛ وهذا من أجل أن يقوموا بتعويض ما فاتهم من المعارف والعلوم، بالإضافة للتغلّب على كل ما يواجه الترجمة الأدبية من عوائق وصعوبات، على سبيل المثال الكاتب البستاني أمضى ما يقارب ثماني سنوات في سبيل إنجاز عمل الترجمة، كما أنّه عمل على تعلّم الكثير من اللغات وأهمّها اليونانية، كما أنّه استعان بالكثير من أهل العلم في اللغة.

وممّا كان يساعد هذا المترجم الشهير لأن يقدّم ترجمة حرفية وليست حرفية هو عمل مقدّمة قد تفوق المائتين صفحة من أجل التعريف بالموضوع الذي سيقوم بترجمته، وهو يرى بأن ترجمة الموضوع نفسه لا يكفي لفهمه، مهما وصلت الترجمة إلى مدى الدقّة، ولكن برأي الجاحظ كذلك أن هنالك بعض العلوم التي تقبل بها الترجمة الحرفية مثل علوم الطب والهندسة أو غيرها؛ والسبب في ذلك أن هذه الأعمال ليست إبداعية، ولا يكون هدف الترجمة منها هو معرفة ما وراء الكلمة، بل تقتصر على ترجمة الكلمات كما هي فقط.

بشكل عام فإنّه تم الاتفاق على أن المترجم يجب أن يبتعد عن الحرفية ويتجنّب التحريف؛ لأن الترجمة هي عمل إبداعي، وهي أمانة أخلاقية لدى المترجم.


شارك المقالة: