الترجمة في عصر النهضة العمانية

اقرأ في هذا المقال


يقال أنّه عند نشوء البشرية فلم يكن هنالك لغات، بل كان الناس يكتفون بالتواصل مع بعضهم البعض عن طريق الإشارات والإيماءات، ولكنّهم بعد مدّة من الزمن بدأوا باختراع الكلام، وعندما نشأ الكلام كان الناس يتحدّثون بلغة واحدة فقط، ولم يكن هنالك دول أو أمصار، ولكن خرافة البرج تقول بأن هذا البرج الذي تدمّر قام بتقسيم الناس إلى عدّة دول، وصار لكل دولة لغة خاصّة بها، ومن أجل التواصل نشأت الحاجة للترجمة، سنحكي في هذا المقال عن النهضة العُمانية القديمة والحديثة.

نشاط الترجمة في عهد العمانيين

تعتبر الخرافة التي ذكرت سابقاً تعبيراً عن سبب الحاجة الأساسية للترجمة وهو توسّع الدول وتعدديّة اللغات، فهو بذلك يعتبر فعل اجتماعي، دعت له الحاجة للتواصل بين اللغات المختلفة، كما أنّ للترجمة حاجة أخرى، وهي الحاجة إلى النهضة الحضارية للدول، وذلك أن الترجمة تعتبر فعل ثقافي تبادلي، وهي تتيح للدول إبراز هويّتها الحضارية.

وحتى النهضة الحديثة للدول هي عبارة عن نتاج ما قدّمته الحضارة الإسلامية القديمة، أي أنّها تراكم حضارات قديمة مختلفة، وسنتحدّث عن النهضة العُمانية، على الرغم من قلّة الكتب التي توثّق تاريخ الترجمة العُمانية، ولكن يمكننا عند البحث أن نجد بعض المصادر أو الفرضيات التي قام بتقديمها الباحثين، والتي تثبت دور الترجمة العُمانية في التاريخ بحدوث النهضة.

عند النظر إلى موقع بلدة عُمان الجغرافي؛ فنجد أن ما يحيطها من الشمال هي بلاد فارس، ويحدّها من الشرق الصين والهند، وإفريقيا من الجنوب بالإضافة إلى التأثّر الكبير بحضارة الرومان ومصر؛ والسبب في ذلك أن حضارة عُمان اتصلت بتلك الحضارات من ناحية اقتصادية واجتماعية وسياسية، وهذه النقطة الأولى التي من الممكن أن نستنتج منها أن من أجل حدوث هذا التواصل، فلا بدّ للحضارة العُمانية أن تكون قد لجأت للترجمة من أجل حدوث هذا التواصل بينها وبين الدول المجاورة.

بالإضافة إلى أن هنالك تعامل بين العُمانيين والفرس؛ وسبب هذا التعامل هو عند حادثة تدمير سد مأرب؛ لجأ العُمانيين لعمل اتفاقية مع الفرس من أجل سكن أرضهم التي تعتبر أرض العُمانيين في وقتنا الحالي، وهذه الاتفاقيات من أجل أن تتم كان لابد من وجود الترجمة التي تساهم في هذا التواصل.

كما أن التجارة التي قام بها الهند مع العُمانيين ألزمت وجود الترجمة، فلا يمكن للتعاملات التجارية أن تتم دون التواصل الكلامي؛ ولهذا السبب من المؤكّد أن هنالك مترجم ما قام بتلك المهمّة، ولا ننسى المراسلات التي كانت تتم بين دولة عُمان والدول الأخرى، والتي قام بها من أشهرهم وهو (السيد سعيد)، وهو قام بإرسال العُمانيين إلى دول أخرى لدراسة اللغة الإنجليزية كالهند؛ فهو كان بحاجتهم من أجل أن يقوموا بترجمة بعض الأوراق والوثائق لديه.

ولم يكن هنالك مترجمين في عهد (السيد سعيد) فقط، بل إن الأمر ذاته كان في عصر (السيد تركي بن سعيد)، ولكن دولة عُمان كان لها نهضة حضارية كبيرة، خاصّةً في فترة سطوتها على شرق إفريقيا وبلاد فارس ومكران وغيرها، وهنالك بعض الفرضيات أو الأحداث التي تثبت بأن الترجمة كان لها دور في النهضة العًمانية.

في العام (1970) قام السلطان (قابوس بن سعيد) بعمل الكثير من الإنجازات التي كان من شأنها أن تنهض بدولته بشكل كبير، وبسبب هذه النهضة الكبيرة استدعت أن تشهد وقتها دولة عُمان نشاط ترجمي كبير جدّاً؛ حيث في هذا الوقت حتى عصرنا الحالي تفتّحت دولة عُمان بشكل كبير، وكان هذا التفتّح بسبب تواصلها مع الدول الأكثر حضارة منها.

ومع بداية هذه النهضة تمثّل نشاط الترجمة بأمور محدّدة وهي: نشاطات حكومية خاصّة ومحصورة بمناطق معيّنة، مثل مجالات (الزراعة، التاريخ، الجغرافيا، الموسيقى) وغيرها من المجالات الخاصّة بحكومة عُمان، وكان من ضمن الأمثلة على هذه النشاطات الكتاب الذي قام بترجمته المترجم العُماني (محمد أمين عبدالله)، والذي تحدّث عن تاريخ الترجمة في عُمان، وقامت الجهات الحكومية المختصّة بنشره.

بعد ذلك تم عمل ترجمات فردية، وكانت تقتصر على ترجمة الكتب الإنجليزية فقط، بعد ذلك بدأت الترجمات القليلة للكتب الأدبية وفي مجال الإعلام، وبدأت الترجمة من هذه اللحظة والتي كانت في عام (2002)  أن تصبح نشاط على مدى أكبر وأوسع، وأصبحت فن جدير بالدراسة والحديث عنه.


شارك المقالة: