الجار قبل الدار

اقرأ في هذا المقال


كلّ الأمم التي تعاقبت العيش على الأرض، امتلكت الموروث الثقافيّ الذي يخصها، وكما إنه جعلها تتفرد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “الجار قبل الدّار”.

العلاقات الاجتماعية في الأمثال العربية:

لقد شاع عن البلدان العربية إطلاق الأمثال؛ وذلك لأنهم كان يتسمون بطلاقة اللسان ووضوح البيان والقدرة على نظم الجمل والعبارات الرصينة، بصورة تتناسب مع مواقفهم الحياتية، وقد كان للعلاقات الاجتماعية نصيب الأسد في تلك الأمثال، كالحديث عن علاقة الرجل وزوجته أو زوجاته إن كان معدّدًا، وعلاقته بأبنائه وأبويه وحميه ونفس الشيء بالنسبة للزوجة، وأيضًا تناولت الأمثال الشعبية علاقة الرجل بجيرانه وأصدقائه وكل من هم في بيئته الاجتماعية، ومن تلك الأمثال التي تناولت علاقة الرجل بجيرانه هذا المثل القائل: “الجار قبل الدار”، و”جارك القريب ولا أخوك البعيد”، وكذلك “الجار جار ولو جار”، و”الجار أولى بالشفعة”، و”جاور السعيد تسعد”، و”اللي يجاور الحداد ينكوي بناره”، و”إن كرهت جارك غير باب دارك”، وغيرها من الأمثال الكثيرة عن الجار الجيد والجار السيء.

قصة مثل: ” الجار قبل الدار”:

يُحكى أنه قريبًا من بيت أبي دفّ البغدادي كان يعيش رجل ضاقت عليه الحال، واشتدّت به الحاجة بعد أن استدان مبلغًا من المال، لم يقوَ على سداده، فقرر حينها بيع داره التي تؤويه بعد عشرين سنة من امتلاكه لها، غير أنه عرض الدار للبيع بسعر غريب لا يتناسب مع قيمة الدار الحقيقية، فقد كانت قيمتها لا تتجاوز الـخمسمئة دينار، أما ما عرضه فكان ألف دينار، وبالطبع لم يُقبل أحد على شراء الدار بضعف ثمنها.

نصح الناس والأصدقاء الرّجل الفقير، بأن ينقص من ثمن بيته حتى يتوافد عليه المشترون، إلا نه رفض أن يفعل ذلك، ولما علم أبو دفّ البغدادي بأمر جاره، وتشدّده في بيع الدار بهذا الثمن الذي لا يوازي قيمة الدار الفعلية، نصحه هو الآخر وقال له ذات الكلام الذي نصحه به الأصدقاء، فقال الرجل المتعسّر: إنني أبيع الدار بخمسمئة، والجيران بخمسمئة، فعندما اشتريت الدار قبل عشرين عامًا لم أفكر إلا في الجيرة الطيبة، حتى بعد زواج أبنائي لم أفكر في بيع الدار بسبب الصداقة والعشرة التي جمعتني بجيراني، ولكن حاجتي غلبت رغبتي، فلما سمع أبو دفّ هذا الكلام من جاره، وقع منه موقع المفاجأة، وقرر وقتها أن يساعد جاره في تسديد ديونه دون أن يضطر إلى بيع داره وترك جيرانه الذين أحبهم، وثمّنهم بثمن الدار.


شارك المقالة: