الحكمة في الأدب الأموي

اقرأ في هذا المقال


الحكمة معروفةٌ منذ القدم عند البشر وهي ناتجة عن عدة تجارب وأحداث قد خاضها الفرد استخلص منها خبرة وحكمة، وهي تنبثق عن الفطرة ونفاذ البصيرة وتكون نتيجة مستخلصة من أمر معين في هذه الحياة، والحكمة نوع من أنواع الكلام المنظوم وباب من أبواب الأدب، حيث وجدت مرافقة لأغرَاض أخرى مثل المدح والحماسة وغيره، وفي هذا المقال سنوضح الحكمة ورواده في عنصر بني أمية.

تعريف الحكمة لغة واصطلاحا

لغة: مشتقة من ” الفعل الثلاثي حكم، والحكمة تعني المنع،” عنها قال الفراهيدي: ” وكل شيء منعته من الفساد فقد حَكمْتَهُ وأحكَمْتَه.” ، والعرب تقول: ” حَكَمْت وأحكمُت وحكُمت بمعنى منعت ورددت. ” 

وقال جرير لبني حذيفة:

أبي حُذيفة أحكموا سفهاءكم

إني أخافُ عليكم أن أغْضبَا

وجاءت كلمة ” أحكموا سفهاءكم” بقصد امنعوا جُهلاءكم وردوهم، وقال أبو عدنان: ” اتَسحكم الرجل  إذا تناهى عما يضره في دينه أو دنياه. ” وقال حكيم: ” الحكم: الله عز وجل، وهو الحكيم والحُكمُ والحِكمَة: العدل والحِلمُ، واحكمُ يا فلان: كن حكيماً” وعن ذلك قال النابغة الذبياني:

واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت

إلى حمام شراع وارد الثمدِ

وكلمة الحكمة قد جاءت في المعجمات على هيئات كثيرة منها: ” حكمة الشاة: ذقنها، وحكمة اللجام ما أحاط بالعنق. “

الحكمة اصطلاحاً: ترمز الحكمة إلى العلم، وهي العلم بالحقائق، وهي حديث مختصر دقيق المفردات يدل على المعنى رغم إيجازها يصور الواقع وحسن التصرف، وتدل على فعل الخير وترك عمل الشر، و منبثقة عن تجارب وأحداث مروا بها خلال حياتهم الطويلة في هذه الحياة.

الحكمة في القرآن الكريم

وردت كلمة الحكمة في القرآن الكريم في الكثير من آيات القرآن الكريم ومنها قوله تعالى: ” ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن. “

وجاءت كلمة الحكمة بمعنى السنة في قوله تعالى: ” كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتَب والحكمة ويعلمكم مالم تكونوا تعلمون. “

كما تكررت كلمة الحكمة في الأحاديث النبوية الشريفة، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ” نعم المجلس ينشر فيه الحكمة. “

علاقة الحكمة بالمثل

المثل: يحتوي في مُجملة حكمة وإذا ذاع وانتشر تحول إلى أمثال، وهما تراكيب موجزة تنبثق عن خبرة وبعدٌ في البصر لحقيقة الأمور، والحكمة تخرج من شخص عاقل على دراية بكل الأمور مرَّ بتجارب عديدة تعلم منها، أما المثل يمكن أن يخرج من فتى مقتبل العمر أو مجنون.

والحكمة أعلى شأن وأهمية من المثل ويرجع ذلك من علو شأن مُطلِقها وثقافته، والحكمة تخرج من فرق قليلة، أما المثل ينبثق عن فرد أو مجموعة من الأفراد.

شعراء الحكمة في العصر الأموي

1- الفرزدق: ألفَّ في الحكمة وسبب ذلك الأحداث التي عاصرها ومر بها في الحياة وكان للوضع النفسي دور في بروز الحكمة في أبياته، وكذلك حبه وانتمائه إلى آل البيت وحكمته نتيجة تجارب قد مرَّ بها في مجتمعه ومن ذلك قوله:

لا يكتم السر إلا من له شرف

والسر عند كرام الناس مكتوم

السري عندي في بيت له غلق

ضلت مفاتيحه والباب مردوم

كما قال:

يا طالب الطب من داء تخوفه

إن الطبيب الذي أبلاك بالداء

فهو الطبيب الذي يرجى لعافية

لا من يذيب لك الترياق بالماء

2- يزيد الحكم الثقفي: عاصر الفرزدق وقد عمل الحجاج على تنصيبه ولاية فارس وعزله بعد ذلك أصبح قريبًا من عبد الملك وكان مادحًا له، ويقول في الحكمة موجهاً ليزيد بن المهلب: 

فإن بني مروان قد زال ملكهم

فإن كنت لم تشعر بذلك فَاشعر

فمت ماجداً أو عش كريماً فأن تمت

وسيفك مشهور بكفك تعذر

ومن أبياته في الحكمة أيضاً واعظاً لابنه حيث يقول:



يا بدرُ والأمثال يضد

ربها لذي اللُب الحكيم

دُم الخليل بوُدّهِ 

ما خيرُ وُدّ لا يدوم

واعَرف لجارك حقّهُ

والحقُّ يَعرفُه الكريم

واعلم بأن الضيف يوماً

سوف يحمدُ أو يلومُ

3- المتوكل الليثي: عاصر معاوية وكان كثير المدح له والحكمة برزت في مقطوعاته وكانت من المواضيع الواضحة فيها، وله عدة أبيات في الحكمة ومنها:

يا أَيُّها الرَجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ

هَلا لِنَفسِكَ كانَ ذا التَعليمُ

4- الحكم بن عبدل الأسدي: له مكانة عالية في نظم الكلام فكان من المجدين ويعد من أبرز رواد الأدب في عصره، والحكمة في مقطوعاته ممزوجة بأغراض أخرى ومنها ما وجد في رثائه عندما بكى الأمير بشر قائلاً: 

إني لفي هم يَباكدني

منه وهم طارق يسري

فلا صَبرن وما رأيت دوى

للهم غير عزيمة الصبر

ومن مقطوعاته في الحكمة وهو في حضرة الحجاج وبرفقته العديد من رواد الكلام المنظوم والذين اتهموه أمام الحجاج أنه ينظم في مواضيع غير شريفة فقال لهم: 

وإني لأستَغن فما أبطرُ الغِنى

وأعرض ميسوري لمن يبتغي عرضي

وأعسِرُ أحياناً فتشتدَُ عُرستي

فأدرك ميسور الغِنى ومعي عِرضي

وعندما سمع الحجاج هذه الأبيات أعجب بها وفضله على رواد الكلام المنظوم وأمر له بمكافأة مجزية.

5- شبيب بن البرصاء: والبرصاء هي نسبة إلى أمه التي تقدم الرسول الكريم لخطبتها من والدها ولكنه رفض بحجة أن بها برص وأنها غير مناسبة له، وكان قد كذب في ذلك ولا يوجد بها برص وعندما غادر الرسول صلى الله عليه وسلم، دخل عليها والدها وجدها قد برصت.

وهو من رواد الأدب الفصحاء لأنه ترعرع في البادية وكان يكتب في العديد من مواضيع الشعر وأهمها الحكمة واحتوت أبياته العديد من الحكم، ورفض والدها في البداية الأمر وبعد ذلك رجع في كلامه ووافق لكن شبيب رفض وأنشد:

وإني لترَّاكُ الضَّعينة قد بدا

ثراها من المولى فلا أستشِرُها

مخافةً أن تجني عليَّ وإنما

يهيج كبيرات الأمور صغيرها

6- عقيل بن علفة: يعتبر من أبرز رواد الكلام في ذاك الوقت كان أعرج القدم وعرف من صفاته أن شديد البذخ وكثير الافتخار بنفسه وأصله وله العديد من أبيات الحكمة ومنها قوله: 

وللدهر أثوابٌ فكُن من يُثابه

كلبسته يوماً أضرَّ وأخلقا

فكن أكيس الكًيْسى إذا كنت فيهم 

وإن كنت في الحمقى فكن أنت أحمقا

نماذج شعرية عن شعر الحكمة في العصر الأموي

قول الأخطل:

إنَّ الكلامَ لَفِي الفؤادِ وإنّما

جُعل اللسانُ على الفؤادِ دليلً

أيضًا المقنع الكندي:

ولا أحملُ الحقدَ القديمَ عليهمُ

وليس كريمُ القومِ من يحملُ الحِقدا

فذلكَ دأبي في الحياةِ ودأبهم

سجيس الليالي، أو يُزيرونَني اللحدا

لهم جُلُّ مالي إن تتابعَ لي غِنىً

وإن قلَّ مالي لن أكلِّفَهم رفدا

وفي النهاية نستنتج إن الكلام المنظوم في الحكمة قد برز في عهد بني أمية وكان نابع من التجارب والأحداث التي يمر بها رواد الأدب في حياتهم، وتنبثق عن معرفة ودراية في الأمور وبرز في هذا الموضوع العديد من رواد الأدب مثل الفرزدق وعقيل بن علفة وغيرهم الكثير.


شارك المقالة: