اقرأ في هذا المقال
- الروميات في الشعر العباسي
- مواكبة الشعر لعلاقة الدولة العباسية مع الروم
- المدح في شعر الروميات
- الرثاء في شعر الروميات
- الحرب في شعر الروميات
- التهنئة بالانتصارات في شعر الروميات
يعتبر الشعر من أهم أسلحة الحرب التي كانت تقع بين العرب والشعوب الأخرى المجاورة لها مثل الروم والفرس والأحباش، وكانت الصراعات مستمرة بين العرب والروم ولم ينتهي كما انتهت دولة الفرس أمام المسلمين؛ لأن دولتهم لم تنهار في الأساس، وفي العصر العباسي تنبه القادة إلى ما يخطط له أعدائهم الروم من مؤامرات فأعدوا العدة لمواجهة هذه المؤامرات، وَكان الشعر حاضرًا في تلك المعارك البطولية.
الروميات في الشعر العباسي
عرف عن الشعر إنه كان حاضرًا في المعارك والحروب التي دارت بين العرب والروم، وكاتب الشعر يستوعب أهم التفاصيل والأحداث، فجاءت سجلًا حافلًا ومدونًا للأحداث التاريخية والبطولات والتضحيات والاستشهاد والنصر والتحرر، وكان يبث العزيمة والإصرار في نفوس المقاتلين من أجل التفاني في الدفاع عن العقيدة الإسلامية والوطن.
كان شعر الروميات نمط شعري بارز في العصر العباسي حيث كان وصفًا لمشاهد البطولة والإصرار على تحدي العدو، وكذلك تناول مدح الفرسان والأبطال في الميدان، وكان أغلبهم من الخلفاء وقادة الدول الإسلامية الذين لهم أثر بارز في المعارك واستنهاض همم المقاتلين وإثارة الحماس والقوة في نفوسهم.
وكذلك تتطرق شعر الروميات إلى الرثاء حيث بكى الشعراء الملوك والقادة الذين سقطوا في ساحة الوغى مع ذكر دورهم البطولي وتمجيد مآثرهم، كما تناول شعر الروميات الحض والتحريض على الجهاد، وكذلك وصف الحروب والمعارك والتفاصيل التي دارت في ميادينها من مبارزات ومناوشات.
مواكبة الشعر لعلاقة الدولة العباسية مع الروم
تعتبر المعارك بين الدولة العباسية والروم هي المظهر الرئيسي للخلافات بين الدولتين، ورافقها أيضًا مظاهر سياسية وحضارية إلى جانب المظهر الحربي، وكان النشاط الحربي موجهًا من السلطة المركزية وكان يغلب عليه طابع الاستطلاع والدفاع ثم تطور إلى حملات متتالية لتدمير مراكز القوة الرومانية، كان لِلخلفاء العباسيين ولاة عهد من أبنائهم وهم قادة تلك الجيوش.
وقد برز دور الولاة وأمراء الثغور في مجابهة الجيوش الرومية، حيث كانوا يغيروا على الروم والنيل منهم، ولقد حمل هؤلاء الولاة والأمراء عبء التصدي للروم وكانوا عبارة عن سور منيع يحمي الثغور، وقد وصف البحتري تلك الحملات وصفًا دقيقًا بارعًا.
واكب الشعر العلاقات بين العباسيين والروم، وكان ذلك واضحًا من خلال مشاركة الشعراء والخطباء في تقوية عزيمة الخلفاء العباسيين والقادة في التصدي للروم وأطماعهم، حيث كان لهم دور كبير في شحذ الهمم وتقوية العزائم وحث الناس على الجهاد وتحبيبه في نفوسهم، ووظفوا قسمًا كبيرًا من أشعارهم وأدبهم في خدمة حركة الجهاد.
وتمكن الشعراء من تدوين الكثير من المآثر والبطولات الإسلامية في ساحات الوغى ضد الروم ورد كيدهم، وجاء شعر الروميات مصورًا لتلك البطولات من خلال القصائد التي كتبها معظم الشعراء لمعارك العرب مع الروم.
وانطلق شعر الروميات كمظهر لمفاهيم الدولة والدين عند العرب ومشيراً إلى قوة العرب ومدى علاقتهم الوثيقة بالدين والأرض مع إبراز صوت الدين عاليًا، وكان شعر الروميات مصورًا للحروب التي وقعت بين العرب والروم لهذا نراها قد تنوعت في تصوير تلك الأحداث مثل قصائد المدح وكذلك الرثاء والفخر وغيره من الأغراض.
المدح في شعر الروميات
جاء شعر الروميات بصفقة قصائد مدح الخلفاء والعباسيين الذين تميزوا وبرزوا في ساحات الوغى مع الروم وكان لهم دور واضح في الدفاع عن العقيدة الإسلامية والأرض، وانتفض لذلك الشعراء حيث قاموا بشد أزر المقاتلين والجنود في ساحة الوغى لنصرة العقيدة وتغنوا بأمجاد الخلفاء، وتناولوا القيم النضالية والاستماتة في الثبات والدفاع عن المبادئ، مثال على ذلك ما قام به منصور النمري من تصوير لما قام به الخليفة الرشيد للحفاظ على الدين والشرف والوطن حيث قال:
هو الإمام الذي طابَ الجهاد به
والحج للناس وَالاعياد والجمع
حصن بنته يمين الله يسكنه ال
إسلام صعب المراقي ليس يطلعُ
كما مزج شعر الروميات بين الجهاد والحج حيث وضعهما في منزلة متساوية فالذي يخرج مجاهدًا في سبيل الله مثل الحاج إلى بيت الله الحرام، حيث يتحمل الاثنان المشقة والمعاناة وكذلك طلب الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى، فتوجه الشعراء إلى هذا المعنى وخصوصاً عندما شاهدوا في خلفائهم ما يؤكد ذلك، ومثال على ذلك ما أشار إليه أبو المعالي الكلابي من وجود الرشيد في الحرمين أو في ساحة الوغى مدافعاً ومجاهداً حيث يقول:
فمن يطلب لقاءك أو يرده
فَبالحرمين أو أقصى الثغور
ففي أرض العدو على طمرٍ
وفي أرض الترَّفةِ كور
وفي أبيات أُخرى للشاعر أبو نواس يشير إلى تفاني الخليفة المقترن بالحج موضحاً استهانته بملذات الدنيا ومركزاً على إعلاء كلمة الحق وحماية الثغور من الجيوش الرومية:
هارون ألفنا ائتلاف مودَّةٍ
ماتت لها الأحقاد والأضغان
في كل عامٍ غزوةٌ ووفادةٌ
تنبت بين نواها الأقران
غزو وحجٌ مات بينهما الكرى
بالعملات شعارها الوَخدان
الرثاء في شعر الروميات
يعتبر الرثاء من الفنون البارزة في العصر العباسي وكان يقتصر في الشعر الروميات على رثاء الملوك الذين استشهدوا أثناء المعارك مع الروم، وقد هيجت الروميات مشاعر الحزن جراء فقد هؤلاء الملوك والقادة وصورت مدى الفقد والخسارة التي حلت بالأمة نتيجة استشهادهم، ومثال على ذلك ما نظمه سلم الخاسر في رثاء المهدي وكذلك رثاء الرشيد وكذلك المأمون كذلك رثاءُ أبي حفصة عندما رثى معن بن زائدة حين قال:
مضى لسبيله معنٌ وأبقى
مكارم لن تبيد ولن تنالا
هو الجبل الذي كانت نزارُ
تهدُّ من العدو به الجبالا
وعطّلت الثغور لفقد معنٍ
وقد يروي بها الأسلُ النهار
كذلك رثاء الحسين الأسدي التي نظمها في معن بن زائدة مُظهراً دوره في المعارك حيث يقول:
ولما مضى الجود وانقضى
وأصبح عرنين المكارم أجدعا
فتى عيش في معروفه بعد موته
كما كان بعد السيل مجراه مرتعا
من المراثي التي قبلت في القادة ما كتبه منصور النمري في رثاء يزيد بن مزيد، حيث كان شجاعاً رمحاً طاعناً وسيف قاطع في يد الخليفة حيث قال فيه:
ونعزي بك الإسلام إنك دونه
إذا انكل الحامون كنت محاميا
وكنت شهاباً للخليفة ثاقباً
وكوكبةً ترمي العدى والمنايا
وكنت إذا نادى لأمر العظيمةٍ
ولم يكُ من يكفي أصابك كافيا
الحرب في شعر الروميات
قام الشعر العباسي بتدوين المعارك التي دارت مع الروم ورسمت الروميات لوحات واقعية لما يدور في الحروب، وتزينت الروميات بالمعارك التي خاضها الخلفاء والقادة وأبناء الأمة الإسلامية، مثال على هذه الروميات ما رسمه لنا أبي حفصة عند دخول الرشيد إلى مدينة صفصاف واصفاً نهاية المعركة حيث يقول:
لقد ترك الصفصاف هارون صفصفاً
كأن لم يدمنه من الناس حاضرُ
وكلّ ملوك الروم أعطاه جزية
على الرغم قسراً عن يدٍ وهو صاغر
ومن أجمل اللوحات الرومية أيضاً ما رسمه لنا منصور النمري مبيناً لنا حالة الذل التي حلت بالروم بعد التقائهم بالرشيد حيث يقول:
ألقى بنو الأصفر الأذقان واشتمالها
ذّلَّ الخشوع وكانوا قطٌ لا خنعوا
خاضت إليهم خليج البحر هيبته
أذعنوا بأداء الخرج وَانتعجوا
التهنئة بالانتصارات في شعر الروميات
تتطرق شعر الروميات إلى التهاني التي قدمها الشعراء بعد الانتصار في الحروب والمعارك الخلفاء والقادة، ومثال على ذلك ما نظمه أشجع السلمي يهنئ الرشيد بعد انتصاره على الروم حيث يقول:
ولِيهنك المؤمنين ظفِرت فأسلم
وأبشر في الغنيمةِ والإياب
هذا علي بن الجهم أشار إلى الانتصار الكبير الذي حققه المعتصم عندما فتح عمورية حيث يقول:
لِيهنك يا أبا إسحق مُلكٌ
يجلُّ عن المخافر والسامي
وفي النهاية نستنتج أن شعر الروميات في العصر العباسي يعتبر من أهم أسلحة الصراع الذي دار بين العرب والروم، وكان الشعر متواجدًا في تلك الصراعات البطولية مصوراً للأحداث بشكل بارع ودقيق.