إن الشعر في العصر الجاهلي قد قدم لنا صور من حياتهم وأخلاقهم وصفاتهم، وأبرزها الشجاعة التي كانت من أسمى القيم.
الشجاعة وإغاثة الملهوف في الشعر الجاهلي
لقد أثرت القيم ومكارم الأخلاق في الشخص الجاهلي، فكانت الشجاعة وإغاثة الملهوف من أرفع القيم عنده، ولقد ساهم في التحلي بهذه الصفة العيش في الصحراء وطبيعتها القاسية، فلقد كان مطلوب منه مواجهة الأعداء والدفاع عن القبيلة في وجه الغزو الذي كان يصيبها.
ولقد كان الشعر الجاهلي زاخراً بصور الشجاعة وأشكالها المتعددة، ووصف الشعر فخرهم بها والسعي للتحلي بها، حتى أنه لا يوجد أي غرض شعري آنذاك إلا وتغنى بالشجاعة في أبياته.
وصفة الشجاعة عند الشعراء الجاهليين مقترنة بمجموعة من الصفات، أهمها الصبر والتحمل والثبات في الغزوات والمعارك، ورفض الهزيمة والاستسلام لأن ذلك يجلب العار والخزي، ويتم تفضيل الموت على الذل والمهانة.
ومن أبرز ما قيل عن الشجاعة والثبات في قول الشاعر عدي بن رعلاء الغساني:
“رُبَّما ضَربَةٍ بسيفٍ صَقِيلٍ
دُونَ بُصرَى وَطَعْنَةٍ نَجلاءِ
وغَمُوسٍ تَضِلُّ فيها يَدُ الآ
سِى ويَعيَى طبِيبُها بالدَواءِ
رفعُوا رايةَ الضِرابِ وآلو
لَيَذُودُنّ سامِرَ المَلحاءِ
فَصَبَرْنَ النُّفُوسَ للطَّعنِ حتَّى
جرَتِ الخيلُ بينَنا في الدماءِ
لَيْسَ مَنْ ماتَ فاِستراحَ بِمَيْتٍ
إنَّمَا المَيْتُ مَيِّتُ الأحياءِ
إنَّما المَيْتُ مَنْ يعيشُ ذليلاً
سِيّئاً بالُهُ قليلَ الرّجاءِ”
ولقد قال عنترة بن شداد يمد الشجاعة:
“حَكِّم سُيوفَكَ في رِقابِ العُذَّلِ
وَإِذا نَزَلتَ بِدارِ ذُلٍّ فَاِرحَلِ
وَإِذا بُليتَ بِظالِمٍ كُن ظالِماً
وَإِذا لَقيتَ ذَوي الجَهالَةِ فَاِجهَلي
وَإِذا الجَبانُ نَهاكَ يَومَ كَريهَةٍ
خَوفاً عَلَيكَ مِنَ اِزدِحامِ الجَحفَلِ
فَاِعصِ مَقالَتَهُ وَلا تَحفِل بِها
وَاِقدِم إِذا حَقَّ اللِقا في الأَوَّلِ”
وبالطبع فإن الذي يتحلى بالشجاعة سوف يغيث الملهوف، ويساعد الخائف في وقت شدته، وهذا من أخلاق الشهامة والمروءة، ومن الأبيات الشعرية على ذلك قول طرفة بن العبد:
“وكري إذا نادى المضاف محنبا كسيد الغضا نبهته المتورد”